بعد أن هتفت شعوب الربيع العربي بصوت مدو وبجملة واحدة «الشعب يريد إسقاط النظام»، انهارت معظم تلك الأنظمة التي كانت تمارس أشد أنواع القمع والتعذيب ضد المسارات والأحزاب الإسلامية سنين طويلة، ولم تكن مكتفية بذلك فقط بل إنها كانت تصور هؤلاء وحوشا يسعون لانقلاب على السلطات وعبث بأمن الدول.
وعلى الرغم من أن أفراد هذه الأحزاب لم يكونوا ملهمين للثورات العربية إلا أنهم سارعوا للحاق بالركب وانخرطوا في صفوف الحكومات المرشحة المقبلة في مصر وتونس وليبيا واليمن وغيرها.. وأصبح احتمال فوز الإسلاميين مصدر جدل بين مؤيد يرى في وجودهم تطبيقا لشرع الله وعودة لممارسة العدل أو معارض يرى في مشاركاتهم ممارسة لمزيد من التطرف وتوترا مع العلاقات الأجنبية!
وبعيدا عن مشاهد البلطجة والتزوير يبدو اليوم أن هذه الأحزاب قد حققت فوزا ملحوظا في انتخابات مصر واكتسحت عددا كبيرا من مقاعد البرلمان بعد أن بادرت بتبني سياسات معتدلة وشعارات محايدة لإزالة مخاوف المنتخبين والبعد عن شعار «الإسلام هو الحل»..
إلا أن بعض التصرفات الفردية التي تصدر من أعضاء هذه الأحزاب أخذت تثير ذعر المنتخبين بين الحين والآخر كتصريحات عن فرض الحجاب أو فرض رقابات مشددة على السياحة والفن بدلا من الالتفات لتصفية السلطة من فساد الحكومات السابقة كخطوة أولى.. كما يلتمس المواطن بعض القلق أيضا جراء شرارات التصادم الطائفي بين المسلمين والمسيحيين وبين الفرق الدينية وبعضها! وما إن تمر الأيام حتى يأتي متحدث رسمي بالنيابة عن هذا الحزب لينكر هذه التصريحات ويعاود التركيز على البرامج السياسية لحزبه وإزالة الشكوك التي تتعلق بمدى قناعة الحركات الإسلامية بالعملية الديمقراطية! وكما أن من حق الأحزاب السياسية الإسلامية ممارسة حقها الانتخابي فمن حق الجماهير أيضا ألا تفرض عليهم تعليمات متعسفة.. ومن واجبهم أن يفرقوا بين ما هو ثابت ومتغير من الشرع، وأن يلتزموا المرونة مع شعوب لم تمارس حقها الديني عقودا طويلة ليثبتوا للمشككين أنهم فعلا أداة للتغيير وليسوا من أولئك الذين يطلقون الرصاص بعد انتهاء المعارك!
بقلم: دينا الصاعدي