السيدة زليخا وقصتها مع نبي الله يوسف «عليه السلام»

السيدة زليخا وقصتها مع نبي الله يوسف «عليه السلام»

ذكر القرآن الكريم قصة السيدة زليخا مع نبي الله يوسف (عليه السلام) في سورة يوسف، فقد كان ليوسف مكانة كبيرة في قلب أبيه يعقوب (عليه السلام) فحظي منه على حب كبير ظاهر، وقد لاحظ ذلك إخوته فحسدوه على هذا الحب ودبت في قلوبهم الغيرة منه، حتى أعدوا مكيدة لإبعاده عن أبيه يعقوب (عليه السلام)، فاجتمعوا على أن يرموه في بئر، قال ﷻ على لسان أحد إخوته ﴿قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾، فطلبوا من أبيهم أن يرسله معهم وهم يرعون الغنم ليلعب ويلهو حولهم، قال ﷻ: قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعُ وَيَلْعَبُ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، لكنهم رموه في البئر وعادوا إلى أبيهم يتظاهرون بحزنهم على فراق أخيهم، وأخبروا أباهم بأن الذئب قد أكله، وجاءوا بقميصه وعليه دم كاذب، أي ليس دم يوسف.

وبينما يوسف (عليه السلام) في البئر توقفت إحدى القوافل العابرة عند البئر، فألقى أحدهم إناءه ليغترف ماءً من البئر فوجد طفلا قد تعلق به، فأخذوه وباعوه في مصر، فاشتراه عزيز مصر؛ أي وزيرها متوسما فيه الخير والبركة، وأوصى امرأته زليخا بإكرامه والإحسان إليه، قال ﷻ: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ وَشَرَوهُ بِثَمَنِ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ * وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾.

وقد وهب الله ﷻ ليوسف (عليه السلام) جمالا عظيمًا، حتى إن من يراه لا يصدق أنه بشر من شدة جماله.

كبر يوسف في بيت العزيز وصار شاباً وسيمًا قوي الجسد.. حتى إن زليخا وقعت في حبه، وأرادت منه أن يبادلها الحب، لكنه رفض رفضا شديدًا، فهو من بيت النبوة والصلاح، وقد أحسن إليه زوجها وأكرمه، فلا ينبغي أن يقابل إحسانه وكرمه بالجحود والخيانة، تملك الغيظ من زليخا وحاولت أن تقنع يوسف بما أرادت، لكنه أبعدها عنه وخرج مسرعًا من عندها باتجاه الباب فلحقت به وشدت قميصه فشقته من الخلف، وحاولت أن تسبقه في الوصول للباب لتحكم إغلاقه، لكنها عندما وصلت إلى الباب وجدت زوجها أمامها، ولكي تبعد التهمة عن نفسها بادرت بالشكوى لزوجها، وأخبرته أن يوسف قد أراد بها سوءًا.

طلب العزيز من يوسف (عليه السلام) أن يرد على اتهام زليخا، فرد بأنها هي التي أغلقت الأبواب لتمنعه من الخروج، وأنه هرب منها فجَرَتْ خلفه وجذبته من قميصه حتى قطعته من الخلف.

يسر الله ليوسف (عليه السلام) شاهدًا من أهل زليخا وأقاربها، ليشهد بصدقه وبراءته، وأخبرهم الشاهد بطريقة تبين إن كان يوسف (عليه السلام) صادقا أم كاذبًا؛ وذلك بحسب الشق الموجود في قميصه، فإن كان من الأمام فإن زليخا هي الصادقة، لأن معنى ذلك أن يوسف هو الذي حاول الاقتراب منها وأنها دفعته بعيدا عنها فانقطع قميصه من الأمام، وإن كان القميص قد قطع من الخلف فإنها كاذبة في ادعائها لأن معنى ذلك أنه حاول الهرب منها وهي التي جرت خلفه وجذبته من الخلف، وهو بالفعل ما كان يقول ﷻ: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبْلِ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾، فعلم العزيز أن يوسف (عليه السلام) بريء من هذه التهمة.

وبعدما انتشرت هذه القصة بين نسوة المدينة طلبت السيدة زليخا منهن أن يحضرن عندها وهيأت المكان لجلوسهن، وأعطت كل واحدة منهن ثمرة فاكهة وسكينا لتقطعها وتأكل منها، وطلبت من يوسف (عليه السلام) أن يخرج إليهن، فلما رأينَ حُسنه وجماله جرحن أيديهن بالسكاكين من غير أن يشعرن بذلك، فعندئذ اعترفت زليخا بما فعلت ليلتمسن لها العذر في ذلك، وتوعدت يوسف بالسجن إذا لم ينفذ ما طلبته منه، وبعدما رأى يوسف ذلك الموقف طلب من الله ﷻ أن يُبعد عنه كيدهن، وفضَّل السجن على الوقوع في الحرام، وهذا ما حدث فعلا، فقد سجن يوسف لسنوات، وظل خلال تلك السنوات يدعو السجناء لعبادة الله فآمن عدد كبير منهم قال ﷻ: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.

كما أعطى الله سيدنا يوسف (عليه السلام) القدرة على تفسير الأحلام، وذات مرة رأى ملك مصر في منامه سبع بقرات ضعاف يأكلن سبع بقرات سمان ورأى سبع سنبلات جافة يابسة تأكل سبع سنبلات خضراء، وطلب من المفسرين أن يفسروا هذا الحلم العجيب، لكنهم عجزوا جميعًا، فاقترح أحد خدام الملك وكان قبل ذلك مسجونا مع سيدنا يوسف (عليه السلام) أن يرسلوا إلى يوسف ليخبرهم بتأويل هذه الرؤيا، فهو القادر على تفسيرها، فأجابهم سيدنا يوسف بتأويلها.

عندها طلب الملك أن يأتوا بيوسف من السجن، فوافق سيدنا يوسف (عليه السلام) لكن بشرط أن يسألوا النساء اللاتي قطعن أيديهن عنه وعن براءته، قال ﷻ: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنُهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ﴾، وبالفعل شهدت النسوة بأن يوسف (عليه السلام) بريء، وأن زليخا اعترفت أمامهن بفعلتها، وجاءت زليخا بنفسها واعترفت ببراءة يوسف وبخطئها وندمها وتوبتها إلى الله ﷻ.

أضف تعليق

error: