من رحمة الله بنا أن بعث فينا نبيا أميا، يعلمنا الكتاب ويبين لنا ملامح الطريق، وأن اقتضت إرادته أن تحفظ لنا كنوز السنة وأنوارها، بفضل خلق سخروا أعمارهم لله وأفنوا أيامهم في نقل تلك الكنوز إلينا، لتكون كالنجوم التي نهتدي بها في ظلمات الحياة، ونستعين بها على فهم أسرار الآيات وأحكام العبادات، وهنا سوف نبين مفهوم السنة النبوية وأنواعها وفضلها وأهميتها وجوهر دعوتها، لعلنا نستطيع أن نستوعب قيمة الكنز الذي خلفه لنا هؤلاء الذين سبقونا بالإيمان.
السنة دعوة إلى مجامع الفضيلة
إن السنة النبوية في جملتها وتفصيلها هي دعوة شاملة جامعة إلى كل معاني الخير والنبل والرقي التي تنشدها المثالية؛ فهي دعوة للصدق وإتقان العمل وتحمل المسئولية على الوجه الأكمل، وهي دعوة إلى رعاية حقوق العباد، وفضائل الأخلاق حيث التسامح والإيثار والإحسان، والعمل طوال الوقت على مرضاة الحنان المنان.
والسنة منهج يبين لنا طريق النجاة والخلاص من كل الاختبارات التي تعرض لنا في هذه الحياة، وفي هذا يقول الصادق المصدوق –عليه أفضل الصلاة وأتم السلام-: (تركت فيمكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي).
أهمية السنة النبوية في التشريع الإسلامي
أولا يجدر بنا لفت النظر إلى أن مصطلح (السنة النبوية) يشمل كل ما ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير.
وتستمد السنة النبوية أهميتها من عدة أمور منها:
كونها المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، فكم من الأحكام أخذت من السنة النبوية.
كونها متوافقة مع القرآن الكريم، وهذا التوافق هو أصل العمل بكل ما ورد في صحيح السنة، فهي مؤكدة لكل ما جاء في القرآن الكريم، وموضحة له وليس ثمة تعارض بين صحيح السنة، والكتاب المنزل.
السنة النبوية هي المفسرة للكتاب الكريم، تشرح معناه، وتوضح مبهمه، وتفصل مجمله، ومن ذلك قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
نقلت السنة النبوية لنا معظم تفاصيل حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- وبعض أصحابه، وما تعرضوا له من محن ومواقف وصعوبات وكيف واجهوها، لكي تكتمل عندنا القدوة الحسنة، ويتوفر في قلوبنا وعقولنا تصور حي وحقيقي تماما عن المثل العليا، وقيم الإنسانية من الأمانة والعدل وحسن الخلق والوفاء بالعهد وغيرها مما جسدته حياة النبي وصحبه الكرام، وقد اقتضت حكمة الله أن تكون حياة النبي بكل تفاصيلها حتى علاقته بزوجاته كتابا مفتوحا، لكي نتعلم منها ما يعيننا على فهم الحياة وفهم أحكام الشريعة وتطبيقها.
واجنا نحو السنة النبوية المطهرة
يجب على المسلمين وعلمائهم في مشارق الأرض ومغاربها العمل الدؤوب على نشر السنة النبوية، وتبليغها للناس، وتعليمها للأجيال القادمة من أبناء المسلمين، وهذا الواجب يتأكد في حق كل مسلم يملك من وسائل التواصل والمعرفة ما يعينه على ذلك، ولا ننسى قول النبي -صلى الله عليه سلم-: (بلغوا عني ولو آية)، فليحمل كل منا نصيبه من أمانة نشر السنة النبوية وإعلاء قيمها.
أما الواجب الأهم والأولى تجاه سنة الحبيب المصطفى –عليه الصلاة والسلام- هو أن نحسن إلى أنفسنا بتطبيق السنة النبوية، والتزام أوامرها واجتناب نواهيها، يقينا منا أنها الطريق إلى النجاة والطريق إلى رضا الله وحبه للعباد، ومن ذلك قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) واتباع النبي إنما يكون باتباع سنته وهديه، والسير على دربه.
ومن وجباتنا نحو السنة النبوية المطهرة، وهذا الواجب يقع على عاتق علماء السنة ورجال الدين أكثر من عامة المسلمين، وهو الدفاع عن السنة النبوية ضد كل ما يوجه إليها من تهم وأباطيل وتشويه، من هؤلاء الذين ابتلاهم الله بمرض الفكر ومرض القلب، فراحوا يتعرضون لمقدساتنا ويسعون إلى التشكيك في سنتنا، وتحريفها، والتعرض للجدل فيما يتعلق بمتون السنة ورجالها الأمناء، ولا عجب فهذا هو الزمن الذي يتحدث فيه الرويبضة، ولكن كما قلنا آنفا تلك مهمة رجال العالم وأصحاب الحجة، فهم الذين يستطيعون تفنيد التهم وإبطال الدعاوى الكاذبة، والرد على الشبهات وتوضيح أي غموض قد يُساء استغلاله من قبل أعداء الإسلام والمسلمين والمتربصين به.