” فين أيام الزمن الجميل”.. جملة أصبحنا كلنا نرددها.. حتى أبناء الأجيال الجديدة الذين يعتبر هذا الزمن الذي نعيشه هو زمانهم.. ولكن هناك من يبحث عن جمال لا نعيشه الآن.. ولا يجدون سوى الحسرة على زمن جميل وهمي عاشه المصريون.. ولكن الواقع أنه لا يوجد زمن جميل.. ولكننا نحب أن نبحث عن أي شيء ينسينا واقعنا..
فعندما نتحدث عن غلاء الأسعار، نجد الأكبر منا يتحدثون عن الزمن الجميل الذي كانوا يشترون فيه أشياء عديدة بقرشين، وعندما تأتي سيرة الموظف الغلبان الذي لا يكفي راتبه أي شيء يقولون لنا الميري وترابه كان زمان في الزمن الجميل، وأن الموظف كان” أفندي” وعريس” لقطة”، أما التعليم فنجد من يؤكد أن التعليم زمان كان أرقى، حتى أزمة البطالة هناك من يؤكد أنها لم تكن موجودة في الزمن الجميل، وأن الزواج في ذلك الزمان المدعو جميلا كان أسهل، وهناك من جعل للفن والرياضة وغيرها من المجالات زمنا جميلا، ويقولون لنا أن الضمير كان زمان، وأنه لم يكن هناك رشوة ولا فساد، ولا وسائط، كل شيء سيء نعيشه الآن ستجد من يقول لك أنه لم يكن موجودا في هذا الزمن الجميل الذي لا نعرفه.
ولكن الحقيقة أن كل ما نراه الآن ونشهده من مشاكل في مجالات عديدة هي نفس الصورة التي عاشها من سبقونا وفي كل الأزمنة، فلو عدت للجرائد القديمة ستتأكد من ذلك، فعلى سبيل المثال لا حصر ستجد في جريدة الأهرام عدد 1 مارس 1950، خبر يقول نصه” صرح معالي الأستاذ محمود سليمان غنام وزير التجارة والصناعة بأنه يأسف لأن جميع ما ينشر من مقترحات بوزارة التجارة والصناعة في سبيل مكافحة الغلاء لا ينبغي أن يعتمد جمهور الشعب أو التجار عليه لأن ذلك كله ليس إلا مجرد مقترحات قد يعتمدها مجلس الوزراء أو لا يعتمدها وكل كلام يدور حول هذه الموضوعات الآن يسيء أبلغ الاساءة إلى الحالة الاقتصادية ويحدث في السوق اضطرابا له خطره, وقد اجتمعت اللجنة الوزارية في اليوم نفسه لبحث تدابير مكافحة الغلاء”.
وعن أزمة السكن يتحدث خبر في عدد 28 مارس 1951 عن اقتراح بنقل نادي الجزيرة إلى صحراء الأهرام والانتفاع بأرضه في حل أزمة المساكن في القاهرة.
وفي عدد 13 سبتمبر 1952 كتب د. طه حسين مقالا قال فيه” لاحظ رجال الدين منذ عشرة أعوام أن الطبقات العاملة قد بعدت عن الدين وجعل شعورها الديني يضعف شيئا فشيئا حتى انمحي أو كاد ينمحي”.
وفي عدد 6 نوفمبر 1959 خبر يقول” سر الأرقام التي تقول زادت جرائم الموظفين بنسبة 25% عشرة آلاف موظف أدانتهم النيابة الإدارية, من بينهم وكيل وزارة و17 مديرا عاما”.
السوق السوداء كانت موجودة أيضًا من زمان حيث يتساءل تقرير في عدد 6 أغسطس 1963″ كيف وصلت أسعار السوق السوداء إلى الحد الذي يباع فيه طن الحديد بـ120 جنيها؟”.
هناك الكثير والكثير من الأخبار التي تروي لنا مشاهد الحياة في الزمن الذي يصفونه بالجمال.
وهذا لا يعني أن كل ما فاتنا قبيح.. فكل زمن فيه الجيد والسيء، ولكننا دائما لدينا حنين لكل ما هو قديم.. ونراه جميلا لأننا نريده كذلك، فمن الأفضل أن تعيش زمانك فأنت قادر على أن تجعله جميلا.. وإذا كنت مقتنعا بأن هناك زمن جميل فاتك.. فقول للزمان ارجع يا زمان.
بقلم: محمد فتحى