أشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأصلي وأسلم على من لا نبي بعده، محمد خاتم النبين والمرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإننا نتناول في هذا المقام ذكر الزكاة في الإسلام، ولسنا بصدد الحديث عن أحكام الزكاة الفقهية ولا مدارسة أقسامها ومستحقيها وما إلى ذلك من الأحكام، وإنما نحن نسعى للتذكير بفرضية الزكاة وبيان أهميتها في الإسلام، وعلة تشريع الزكاة وكيف تساهم الزكاة في إفراز
مجتمعات وأجيال سوية نفسيا ومكتفية ماليا؟
ما هي الزكاة؟
الزكاة هي مقدار من المال يجب على المسلم إخراجه، عند بلوغ المال نصابا معينا لأصناف معينة من الناس حددتهم الشريعة، وهم ثمانية من الأصناف ذكرتهم الآية الكريمة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60).
الزكاة فرض على كل مسلم بلغ ماله النصاب المحدد وحال عليه الحول، وهي ركن من أركان الإسلام، وأركان الشيء ما لا يقوم هذا الشيء إلا به، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية الزكاة ومكانتها بين العبادات في الإسلام.
ما هي حكمة مشروعية الزكاة؟ ولماذا جعلها الشارع في مقدمة العبادات في الإسلام؟
أما عن مشروعية الزكاة والحكمة من ذلك فيمكننا القول بأن الزكاة شرعت لغايات نبيلة مقاصد سامية، منها على سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:
فرض الزكاة على الغني اختبار له لتمحيص درجة إيمانه وانصياعه لأوامر الله، فإخراج جزء من المال يتنافى مع حب المال وللحرص على جمعه.
تعليم المسلمين الشعور بالغير وتدريبهم على العطاء ومساعدة الآخرين، وتعزيز قيم الإيثار والتعاون على البر والتقوى.
الزكاة تحقق التكافل وتضمن للمجتمع الاكتفاء، حيث تجعل للفقير حقا معلوما في مال الغني الذي بلغ من الثراء درجة معينة ويمتلك من المال ما يفيض عن احتياجاته ويحقق له الرفاهية.
الزكاة وفرضيتها تعزز الفقير وتعفه عن السؤال ومد يده للآخرين، ذلك من خلال جعل مال الزكاة حقا من حقوقه وليس تفضلا من الأغنياء عليه، ومما يشير إلى ذلك المعنى ويعززه قول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
الزكاة المفروضة تحجم الفجوة الكبيرة بين الأغنياء الذين يصل غناهم إلى حد الثراء الفاحش، أو الرفاهية المبالغ فيها، والفقراء ذوي الحاجة الذين لا يمتلكون الكفاف، ويقعون تحت خط الفقر المدقع المذموم.
وكما أن الزكاة ينتفع بها الفقير ويسد بها حاجته، فكذلك ينتفع بها الغني فهي تزكية للنفوس وتطهير للأموال، وفي ذلك المعنى يقول الله عز وجل: (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ).
الزكاة تخمد نيران الحقد والحسد التي تشتعل في قلوب الفقراء والمحرومين وذوي الحاجة تجاه الأثرياء والمرفهين.
أهمية الزكاة للمجتمع وأثارها الطيبة
الزكاة هي نظام اقتصادي إسلامي رائع، لا يلتزم بها مجتمع ولا أمة إلا ذاق من أثارها أطيب الثمر، وخيري الدنيا والخرة، وهنا سنحاول التلميح إلى أثار وفائدة الزكاة على المجتمع ككل ومن ذلك ما يلي:
الزكاة تحقق التكافل الاقتصادي بين طبقات المجتمع الواحد، وهي سبيل إلى سد حاجة الفقراء والتيسير عليهم، وتحمل مشقات الحياة معهم الأمر الذي ينجم عنه حالة من الرضا والاكتفاء لديهم، ويحد من انتشار جرائم السرقة والعنف وغيرها من الجرائم التي تتم بدافع الحاجة والجوع.
الزكاة سبب من أسباب حصول البركة في الموارد والأموال في المجتمع، حيث تحدث حالة من القناعة والتعاون والإيثار والتعفف، وكلها معان دعت إليها الشريعة الإسلامية وحثت على التمسك بها، ومن ثم يرضى الله عن هذا المجتمع ويبارك له في أرزاقه.
التكافل الحاصل من الزكاة يجعل المجتمع الإسلامي متماسكا قويا، يشد بعضه أزر بعض، ويستشعر الأغنياء احتياج الفقراء، ويقدرون معاناتهم، ويستشعر الفقراء معنى الامتنان وعدم الحقد أو الحسد على الأغنياء، هذا من دواعي الاستقرار والسلام في المجتمع.
وأخيرا نوجه دعوة لكل من وسع الله له في رزقه أن يعين الفقراء ويسعى في قضاء حوائجهم، ليسخر الله من يعينه ويقضي له حاجته وليرضى عنه الله ويبارك له في كسبه.