في ظل الضغوط التي نعيشها ومسئوليات التربية وغيرها من المسئوليات الملقاة على عاتق كل منا، تتباين طرقنا في التعبير عما نريد وتتباين أساليبنا في التقويم ما بين العنف واللين، القسوة والرحمة وكلها في النهاية ترجع إلى أنماط شخصياتنا، لكن لأن شريعتنا لم تترك لنا شيئا دون أن تبين ضابطه، وتبين لنا الطريق الأمثل لحله، فمن ضمن القضايا التي اهتمت بها الشريعة هي التعامل بين الناس، في مختلف العلاقات والظروف، ومن ذلك أنها أكدت على التزام الرفق في المعاملة، وعدم التعنت أو الشطط فيما بيننا.
وهنا سنبين مفهوم الرفق وما يقابله، وكيف حثت عليه الشريعة الإسلامية ودعت إليه، وأثاره على الأفراد والمجتمعات.
مفهوم الرفق وما يقابله
الرفق هو اللين واليسر وتعهد الأمر بلطف وعناية وصبر، فالرفق في القول هو التعبير عن ما يريده الإنسان بلين وهدوء وعدم اللجوء للحدة، أو العصبية أو التلفظ بأقوال فجة أو غليظة، أيا كان منزلة المتكلم من المخاطب، والرفق في الفعل، أن تمد يد العطف لمن حولك وتتقبل ضعفهم ولا تكلفهم ما لا يطيقون، وأن تتحلى بالسماحة ولين الجانب في كل ذلك، وإن كنت في موقف يقتضي منك مساعدة غيرك بأي صورة فالرفق هنا يعني التيسير وعدم المشقة عليهم وتقديم المساعدة على أكمل وجه.
يقابل الرفق العنف والمشقة والتعنت، وللأسف كلها أمور نلمسها فيما بيننا من تعاملات، فالزوج يشق على زوجته ويكلفها من الأعباء فوق طاقتها، وإن تخاذلت أو قصرت راح يوبخها ويعنفها بأقسى صورة ممكنة، والأب عنيف مع أبنائه والمسئول عن العمل عنيف مع من تحته من العاملين، حالة عنف غريبة أصبحت تسيطر على واقعنا، مما جعلت الناس دائما في حالة عصبية وضغط وتوتر.
حث الشريعة الإسلامية على الرفق
شريعتنا الإسلامية دائما ما تدعو إلى القيم الراقية والأخلاق النبيلة، والسلوكيات الطيبة في كل مقام ومقال، فمواقف النبي وأصحابه تعلمنا المثل العليا وتنقل لنا أروع الدروس في فن التعامل الناجح بين الناس، ذلك التعامل الذي ترقى به المجتمعات، وينصلح به حال الأمم.
ومن الأثار التي حضت على الرفق ودعت إليه، قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (من يحرم الرفق يحرم الخير كله)، وفي هذا دلالة واضحة على أن فضائل الرفق كثيرة ومنافعه جد كبيرة، وأن من يتخلى عن الرفق ويكون عنيفا في أقواله أو أفعاله، يحرم تلك المنافع ويفوت على نفسه فرصة تحصيلها.
ووفي حديث آخر يقول الحبيب –صلى الله عليه وسلم- موجها دعوة صريحة لكل من يتولى منصبا أو موقعا يُكلف فيه بخدمة الناس أو رعاية مصالحهم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه)، وهذا يدل على حرص النبي على أن يلتزم كل مسئول الرفق في تعامله مع الناس لا يتعنت معهم أو يشق عليهم، وأن يتق الله في قضاء حوائجهم، قدر استطاعته!
وإن كان ظاهر الكلام مقصود به أولياء الأمور وأصحاب المناصب وذوي المسئوليات، إلا أن الأمر ينطبق على كل من بيده قضاء حاجة لغيره، وإن كان زوجا أو ابنا أو حتى زميل أو جار.
منافع الرفق وأثاره الطيبة على الأفراد والمجتمعات
لين التعامل والرفق سمة من سمات الحكماء والطيبين وعلامة تدل على رقي أصحابه وتحضرهم، تقي الناس توابع سلبية كبيرة جدا تحدث جراء التعامل بالعنف، وسنوضح بعض أثار الرفق في صلاح المجتمعات في النقاط التالية:
الحدة والغضب سببين من أسباب الوقوع في الخطأ، والتلفظ بما لا يرضى الله من السب أو الشتم أو غيرها من الذنوب التي تُحمل الإنسان حقوقا للخلق هو في غنى عن حملها، ومن ثم فقد أوصى النبي بأن يحاول الانسان التزام الهدوء والحلم السيطرة على مشاعر الغضب، وأخذ الأمور برفق هو السبيل إلى ذلك.
الرفق يكسب الإنسان محبة الله ومحبة الناس وثنائهم
التعامل بالرفق يعالج المشاكل بسلاسة، ويمنح الأطراف فرصة للتفكير والتصرف بحكمة، أما العنف والغلظة فغالبا ما تؤدي إلى مزيد من المشاكل وتعقد الأمور.
العنف يورث نفور الناس فينفضوا من حول الإنسان، وحين يحتاجهم لا يجد لديهم رغبة في مساعدته، كما أنه يوغر الصدور ويزيد المشاحنات، يفتح بابا لشيطان ليوقع بين الناس ويؤجج مشاعر الغضب والكره، ومن ثم فإن الله عز جل يمدح نبيه الكريم-عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- بقوله: (فبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).