كنت أظن أن الإنسان مهما تعقدت الظروف وساءت الأحوال فهو لا يزال يمتلك القدرة على التغيير! لكن حين تابعت حلقة «الحقيقة العارية لصنع الملابس الجاهزة» والتي تحكي قصة مجموعة من الشباب الإنجليز – فتيات وشبان – غادروا موطنهم متوجهين إلى الهند، حيث يصنع العمال هناك الملابس التي يشاهدونها بإنجلترا.
وأثناء رحلتهم هذه اكتشفوا حجم المعاناة التي يعيشها الناس هناك، وكيف ينام العامل تحت ماكينة الخياطة، رغم أنه يعمل طوال ساعات النهار دون توقف! وكيف أدركوا أن عملية جمع القطن وخياطة الملابس أمر لا يمكن للمال أن يعوض قيمة الجهد المبذول في صنع واحدة من هذه الملابس التي يرتديها الإنجليز هناك.
المبهر في البرنامج ليس صغر سن الشبان مقارنة بالوعي الذي يتطلبه التفكير بعمل برنامج كهذا، بل تلك الحوارات واللقطات العفوية التي صورتها الكاميرا المحمولة باليد للحياة الصعبة في شوارع وقرى الهند القريبة من العاصمة التجارية. فهناك فرق كبير رغم أن المسافة لا تتجاوز نصف ساعة سير بالسيارة!.
حين سأل أحد الشبان الإنجليز أحد الواقفين بالقرب منه بالقطار المكتظ بالعمال الهنود والذين كانوا يحدقون طوال الرحلة في هؤلاء الشبان البيض لأنهم لم يعتادوا رؤية أشخاص مختلفين لهذه الدرجة: يبدو أنك متعلم. لكن كيف حصلت على تعليمك في حين لا يقدر عليه البقية.
هل أنت من عائلة ميسورة؟ أجابه الراكب: إن الحياة هنا لا تمنح الكثير من الفرص كما هو في العالم الآخر.
إن نمط الحياة والفقر المنتشر لا يجعل أحدا يفكر بشيء سوى الحصول على لقمة عيش تكفيه ليومه.
حينها بادر الشاب الإنجليزي بالقول: ألستم غاضبين على الحكومة؟ ابتسم الراكب وقال: من لديه الوقت أيضا! فالجميع هنا لا يمكنه أن ينتظر حدوث تغيير جديد!.
وحين انتقلت لمشاهدة برنامج «أنهار وحياة» على قناة ناشيونال جيوغرافيك. كان هناك شاب مصري يعيش مع عائلته على قارب بنهر النيل، وهو لم يعرف معنى أن يكون له بيت طوال حياته، فوالدته أيضا أخبرته بأنه أيضا ولد على ظهر مركب! حيث يذكر بسعادة أنه يحب النيل ويعشقه ولا يقدر على الخروج منه! وأن صعوبة الحياة وضيق ظروفه لم تمنحه التفكير في البحث عن فرص لتغيير حياته. هذا التصالح مع الذات رغم بؤس الواقع ومرارته جعلني أدرك أنه أصعب بكثير من القدرة على تغييره.
بقلم: سعود البشر