الرسول “صلى الله عليه وسلم” هو خير قدوة نقتدي بها في مسيرة حياتنا، ليس فقط في شهر رمضان، فهو رمز الإسلام، وهو المبعوث من عند الله لهدايتنا، متسلحًا بالقرآن الكريم، الذي تحدى به الله الكافرين، والذي وضع للمجتمع الإسلامي الأساسات التي يجب أن يسير عليها الأفراد، دون الإزاحة عنها، حتى نصل بها إلى بر الأمان، في الدنيا والآخرة.
والسنة الشريفة هي تفسير رسول الله “صلى الله عليه وسلم” لما نزله الله في القرآن علينا وكان مبهمًا فيه شيء من الغموض، فالرسول “صلى الله عليه وسلم” معصومًا من الخطأ، ولا ينطق عن الهوى، فهو معجزة الله الكبرى لهذه البشرية، وواضعها على الطريق المستقيم، فدعى “صلى الله عليه وسلم” الأمة من نبذ العصبية والعنف، وكل مظاهر التخلف الذي اتسم به المجتمع الجاهلي آنذاك، فوحد قبائلهم، ووحد صفوفهم على كلمة واحدة، واضعًا فيهم الأخلاق الكريمة، وحثهم على الأعمال الصالحة.
واقرأ هنا: مكانة الصيام وفضائل شهر رمضان المبارك
ونحن الآن على مشارف دخول شهر رمضان الكريم، وشهر رمضان هو رمز الأعمال الصالحة، والقلوب النقية الخالية من شوائب الدنيا التي زُرعت فيهم في الآيام الآنفة، وإننا إن أردنا أن نلم بكل فضائل شهر رمضان، وما يتوجب علينا فعله مما لا يتوجب علينا فعله، علينا مطالعة ما قاله الرسول “صلى الله عليه وسلم” عن شهر رمضان، فالرسول “صلى الله عليه وسلم” قد زرع فينا خيرية هذا الشهر شيئًا فشيئًا، وبأقوال جميلة نشهد فيها رحمة الله بالعباد، وحرصه أن يختار العبد الطريق الصحيح دائمًا، وأن يتسنى له الأمل الكبير في التوبة إلى الله، وشهر رمضان هو بالنسبة إلينا الأمل الكبير الذي يجب أن نتشبث به لعل فيه نختم أعمالنا.
الصيام ركن من أركان الإسلام
لذلك لست أرى خير من رسول الله من قدوة يمكن أن نقتدي بها، ونمشي على خطاه، ونتدبر ما قاله “صلى الله عليه وسلم” حتى نعلم ما نجهله من فوائد هذا الشهر وأفضاله، وما يتوجب علينا فعله حتى نحظى بما أنزله الله علينا في هذا الشهر الكريم من الخير الوافر، والغنائم الكثيرة، والبركة التي لا تنتهي.
وقد يسأل سائل: هل صيام شهر رمضان فرض يجب أن نقضيه؟ أم يمكن أن نتكاسل عنه، ولا تتزعزع عقيدتنا قيد أنملة؟
وفي ذلك أقول أن الصيام فرض من عند الله، وركن من أركان الإسلام، إذ لا يكتمل إسلام المرء إلا إذا صام شهر رمضان، ولا يمتنع عن الصيام أحد إلا بشروط وضعها الله لنا نصب أعيننا، فمن خلا منه فيجب أن يصوم الشهر، حتى يكتمل إسلامه، ويقضي فروضه.
وأستشهد بما قاله الرسول “صلى الله عليه وسلم” (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) (رواه البخاري ومسلم).
ومن الحديث الشريف، نرى أن شروط الإسلام خمسة، وهي شروط مهمة لا يجب أن نأخذ بعضها ونترك بعضها، بل يجب الالتزام بها كاملة حتى يتم للمرء إسلامه، وتلك الشروط من بينها صيام شهر رمضان.
والله في فرض الصيام على المسلمين له حكمة، وحكمة جليلة لا نستطيع أن نوجزها في سطور قليلة، أو ندركها بعقلنا القاصر، بل إننا ندرك القليل من تلك الحكمة، ويكفينا قولًا أن الصيام يجعلنا نتقرب إلى الله بالعبادة الصالحة والنية الخالصة حتى يُقبل منا صيامنا، والصيام يربينا على الأخلاق الكريمة، والنفس الزاهدة التي لا تطمع في الدنيا، ويهذب فينا خلق الصبر، فمن يتحمل الصبر على الصيام ومشقته، والصبر على ترك المعصية، والصبر على الطاعة، فإنه يخرج من شهر رمضان وقد تهذبت نفسه وهدأت، واطمأن قلبه، وزهد في الدنيا، وانتصر على نفسه خير انتصار، فلا تردعه عن الأعمال الصالحة، ويظل واثقًا في نفسه تمام الثقة.
وحكمة أخرى من الصيام، أن الصائم يشعر بمشقة الفقير الذي قد ينام دون أن يشبع جوعه، فيحنو عليه، ويرحمه، بأن يكون سببًا في رزقه مما رزقه الله به، ولذلك نرى في شهر رمضان الناس يتصدقون كثيرًا، وتقام موائد الرحمن، ومنهم من يمر على بيوت الفقراء ويوزع عليهم إفطارهم، وغيرها من مظاهر التصدق، وهم بذلك يعطوهم رزق الله لهم.
ويتساءل آخر، لماذا قد أجتهد في الصيام، وأتبتل في الأعمال الصالحة، مادام الصيام فرض، فلأقضيه دون تعب، وأقضي يومي نوم طوال الصيام؟
وللإجابة عن هذا السؤال أستشهد بما قاله الرسول “صلى الله عليه وسلم” (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة) (رواه الترمذي وصححه الألباني).
فالرسول “صلى الله عليه وسلم” يخبرنا أنه منذ مجيء أول ليلة من شهر رمضان تتنزل علينا خير الفضائل من عند الله، وغنائم يجب أن نحظى بها، ومن اجتهد ليظفر بها، فإنه يخرج من شهر رمضان وقد غفرت ذنوبه كلها، ولا حائل بينه وبين الجنة، والذي يصل إلى هذه المكانة لا أعتقد أنه قد يضيعها في الأيام الأخرى بأن يقترف مزيدًا من الذنب، وأن يدنس روحه التي طهرها في شهر رمضان.
الرسول “صلى الله عليه وسلم” يقول أنه منذ مجيء الليلة الأولى من شهر رمضان تصفد الشياطين، أي تسلسل، وتلك فضيلة عظيمة، لطالما وسوس لنا الشيطان بأمور مشينة، وعرقل أمامنا طرق الخير، وزين لنا طرق الشر وسهلها أمامنا. لذلك شهر رمضان يعد فرصة لا تعوض في التخلص من وسوسة الشيطان، حتى لا يختلط أمامنا الصالح بالطالح، ويتبقى أمامنا أنفسنا، فإذا هزمناها وعودناها على الخير، فلا يكون بين الإنسان وربه حائل في الدنيا والآخرة.
أبواب الجنة تُفتح في شهر رمضان
ويخبرنا “صلى الله عليه وسلم” أن أبواب الجنة تُفتح فلا يغلق منها باب، وتُغلق أبواب النار فلا يُفتح منها باب، وتلك فضيلة لا نعهدها في الأيام الأخرى، فإذا عملنا صالحًا في شهر رمضان فإن أعمالنا من أجل الفوز بالجنة دون الخشية من النار، وذلك أبعث على الخشوع والمحبة لله “سبحانه وتعالى”، وذا الحظ الجميل من يتوفاه الله في شهر رمضان، فإنه لا يحيل بينه وبين الجنة شيء، فالله قد مهد له السبيل آنفًا في طريقه للجنة، إذا كانت أعماله صالحة.
غير أن في كل ليلة رقاب تُعتق من النار، وهي فضيلة وغاية يجب أن يعمل لها كل مسلم، وألا يحيد بنظره عنها لمطمع أو شيء يريد أن يحظى به في الدنيا، بل يجب أن يجتهد ولا يتكاسل في اجتهاده، وأن يخضع لله ويخشع لعظمته “سبحانه وتعالى” محبة فيه وطاعة له، حتى يكون من العتقاء من النار في شهر رمضان “إن شاء الله.
ومزية أخرى أخبرنا بها الرسول “صلى الله عليه وسلم” في حديثه الشريف حين قال “صلى الله عليه وسلم (من صام شهر رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه).
فالرسول “صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف يعطينا الوسيلة، والغاية، أما الوسيلة فهي الصيام إيمانًا واحتسابًا، وذلك بتقوى الله في النية والعمل، والغاية أن الله يغفر للإنسان ما تقدم من ذنبه، وهي أعظم غاية وأعلى مرتبة قد يخرج بها الإنسان من شهر رمضان.