يجيء الرجل في نهاية اليوم متأخرا من عمله، يغلبه النعاس، وبالكاد ينتظر حتى يتناول طعام العشاء مع زوجته، وهي مقبلة عليه أن يتحدث معها، وقد ظفرت معه بتناول الطعام، وفي استعداد للسمر بعد العشاء، وتظل المرأة تتحدث وتتحدث، وهو يقول لها: (نعم، صحيح)، تلك الإجابات المختصرة التي تكاد تغيظ المرأة، بل ربما تحكي المرأة وتسرد ما عندها، ولكنها تفاجأ أنها في وادٍ، وزوجها المنتظر في وادٍ آخر، لقد ذهب في سبات عميــق.
مشهد متكرر
ذلك مشهد من مشاهد الحياة الزوجية، ولا أدعي أنه الأكثر، فهناك بيوت والحمد لله متفاهمة، يدرك كل من الزوجين دوره وواجبه، ويتشاركان في الحياة، ولكننا بحاجة إلى تسليط الضوء على هذا المشهد الذي يكثر تكراره في عدد من البيوت، ويدعو إلى البحث والتفتيش عن أسراره وأسبابه، كما أنه يدعو إلى قراءة طبيعة العلاقة الاجتماعية في كثير من الأسر في عصرنا وما يموج به من ظلمات بعضها فوق بعض.
وأول تلك الأسباب ربما يكون اللهث وراء لقمة العيش، والحياة الاقتصادية الخانقة؛ وهو ما يجعل الرجل مضطرًّا للبحث عن عمل آخر، أو أن يواصل العمل ليل نهار، وقد نفدت قواه كلها في العمل، ولا يكون للحديث والقرب من الزوجة شيء، إلا ما يحتاج إليه هو.
وربما كان لطبيعة الحياة التي نعيشها في عصرنا عصر السماوات المفتوحة، والشبكة العنكوبية، واتساع دائرة الترف التي تلهي المرء عن بيته وزوجته، وعدم الاكتفاء بالضرورات والاحتياجات، بل التطلع إلى مستقبل أوسع من تملك شقة فاخرة أفضل، أو الحصول على فيلا، أو السعي لإيجاد مستوى أعلى.
ومن الرجال من يرى في تسليته أمام التلفاز أو جلسة مع الأصحاب، أو الانشغال بالإنترنت تسلية له عن الحديث إلى زوجته.
وقد يكون الرجل مغلوبا على أمره من امرأة (نكدية)، لا تكف عن الثرثرة التي تخرق (الأذن) بداعٍ أو بلا داع، بدافع أن (الهجوم خير وسيلة للدفاع)، أو أنها لا تدرك كيفية القرب من زوجها، ولا تعرف اهتماماته؛ مما يدفع الرجل إلى الملل و(الزهق)، وتكون ساعتها راحة الجسد على السرير أولى.
ولست أعفي الرجال من أن يقوموا بمسئوليتهم تجاه أسرتهم، خاصة مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”، وخاصة إذا أدركنا أن الأسرة في مجتمعاتنا هي آخر حصوننا المهددة بالاستسلام من الغزو الغربي، فإن لم نحافظ عليها، فليس لدى المسلمين شيء يدافعون عنه، وذلك بعد انسلاخ كثير من مظاهر الحكم عن الإسلام، واحتلال عدد من ديارنا، وسقوط مقدسات لنا تئن ولا يحرك لها ساكن.
المسئولية المفقودة
إنه من المهم إدراك الأزواج (النائمين) أن مسئوليتهم ليست مادية بحتة، فحاجة المرأة إلى العطف والحنان والدفء والقرب أكثر بكثير من آلاف أو ملايين يجمعونها، أو من (فلل) يسكنونها، أو من (سيارات) يركبونها، كما أنها أهم ألف مليون مرة من التسلية أمام الأجهزة الحديثة، أو (الدردشة) مع الأصحاب خارج البيت، وخاصة مع الزوجات اللائي يقمن بواجبهن ولا يقصرن في شيء، ولسن سببا في هروب الأزواج.
وإذا أردنا أن نفكر في عاقبة (الرجال النائمين)، فهي إما زلزال ربما يهدم البيت في بنيته الاجتماعية، أو أنه قد يجر المرأة إلى الانحراف والبحث عمن يعطيها المفقود بكافة مستوياته، أو أن تظل المرأة صابرة محتسبة عند الله، تشكو همها لله، ولكنها تكون كالقنبلة تكاد تنفجر وقتا ما.
وربما كان من إعجاز الإسلام الدعوة للزواج بذات الدين حين قال: “فاظفر بذات الدين تربت يداك”، مع كونه لم يحرم أن تكون هناك دوافع أخرى، غير أن الدين هو الضابط الحامي؛ إذ المرأة المسلمة العفيفة تراقب ربها قبل أن تراقب زوجها.
إنني أرى أن الإشباع العاطفي من الأزواج لزوجاتهم في مثل هذا الزمن من فروض الأعيان التي يأثم تاركها، وخاصة مع تلك التي تحبس نفسها لزوجها، ربما في بيتها، أو أنها تقوم بعمل ثم تعود مسرعة وهي تتمنى أن ترى ابتسامة على وجه زوجها، أو مداعبة لها، أو إشباعا لفطرة فطرت المرأة عليها بما أحل الله، وفي الحلال كفاية عن الحرام، وفي ظني أن المرأة أكثر حرصا على البيت من الرجل.
وأنا أدعو كل زوجين يلمسان تلك المشكلة أن يجلسا سويا جلسة مصارحة، وأن ينظرا أسباب الفراق العاطفي بنوع من المكاشفة والحب، وأن يعرفا المسئول عن ذلك، أو أنها مسئولية مشتركة من كليهما، ثم يضعان النقط على الحروف، عسى أن يستيقظ الرجال داخل بيوتهم، على أن تكون الحلول يسيرة وعملية، لا أن ينتفض الأسُود فترة قصيرة، ثم يعودوا نياما بعد فترة في عرنهم.
بقلم: د. مسعود صبري
⇐ وهنا تجد المزيد ينتظر القراءة: