جلس الجد عرفان في مكانه الذي اعتاد عليه بعد صلاة العصر، وجاء الحفيدان حسام ومرام حاملين أطباق الفاكهة من العنب والخوخ.
قالت الجدة زينب: هل تعرفون أن الذئاب تنشط ليلا؟!
ابتسم الجد عرفان قائلا: ها قد بدأت الجدة.
أردف حسام تُعرف الذئاب بأنها إحدى فئات فصيلة الكلبيات التي تضم الثعالب والكلاب، ويتميز الذئب العربي عن بقية أنواع الذئاب بصغر حجمه وقصر شعره المنتشر على جسده.
الذئب عند العرب
واستطرد حسام كان العرب يُجلُّون الذئب، ويشبهون الرجل القوي الذكي به لما يتحلى به الذئب من قوة ودهاء. وأكملت مرام كما جاء ذكر الذئب في قصص كثيرة لأدباء عرب، مثل كليلة ودمنة لابن المقفع، وكتاب الحيوان للجاحظ.
وقال الجد: ربما عرف العرب شيئًا عن سمات الذئب، فهو قوي الشخصية وذكي، ويتميز بالدهاء.
وأكملت الجدة زينب: صحيح.. والذئب شديد الوفاء والإخلاص لزوجته، فهو لا يتزوج غيرها طوال مدة حياتها، والذئبة أيضًا تتميز بالوفاء والإخلاص له وللأسرة، وترعى صغارها وتهتم بهم وتدافع عنهم وعن جحرها بحياتها.
واستطرد حسام و عرفت أيضًا أن للذئاب قانونا ينظم الزواج، فعندما يرغب الذئب في الزواج يتوجب عليه ترك القطيع والبحث عن زوجة من قطيع مختلف فالذئاب لا تتزوج من محارمها كالإنسان تمامًا، وعندما يجدها يبحثان عن منطقة جديدة خاصة بهما لإنشاء عائلة جديدة.
الابن البار
وأضافت مرام ويستحق الذئب لقب الابن البار من بين جميع الحيوانات، فهو الوحيد الذي يرعى والديه عند الكبر والضعف، فيمكثان داخل الجحر بينما يقوم الابن البار بمهمتهما ويذهب لصيد الفرائس وتوفير الطعام لهما.
قال حسام فعلا فالذئاب تعيش في قطعان، ويوجد بينهم ترابط كبير، حتى إنهم يخرجون ليلا للصيد في مجموعات، ويُعلم الذئب الكبير الذئاب الصغيرة فنون الصيد.
وأكمل حسام وصغار الذئاب تُسمى “الجراء” أو “السمع” أو “الجرموز”، وتولد الجراء صماء عمياء معتمدة تماما على الأم، وتقبع الجراء داخل الجحر لمدة شهرين قبل أن تبدأ الاعتماد على النفس.
نبي الله يوسف (عليه السلام)
قال الجد عرفان ولكنكما نسيتما أشهر ذئب، وهو ذئب إخوة سيدنا يوسف (عليه السلام).
ردت الجدة زينب: اسمح لي أن أحكي لهم عن نبي الله يوسف (عليه السلام).
أجاب الجد: مرحبا، تفضلي يا جدة.
قالت الجدة: سيدنا يوسف (عليه السلام) هو أحد الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، وهو الابن الحادي عشر لنبي الله يعقوب (عليه السلام)، وسميت السورة الثانية عشرة في القرآن باسمه “سورة يوسف”، والتي انفردت دون سور. القرآن الكريم بقصة نبي الله يوسف (عليه السلام).
فعندما كان نبي الله يوسف (السلام) صبيا رأى في منامه أحد عشر كوكبا ورأى الشمس والقمر ساجدين له، فلما استيقظ ذهب إلى أبيه يعقوب (عليه السلام) وقص عليه الرؤيا، أدرك يعقوب بحدسه وبصيرته أن ابنه سيكون له شأن عظيم، وحذره من أن يقص رؤياه على إخوته، فيحسدونه على ما آتاه الله من فضله.
وكان إخوة يوسف (عليه السلام) يحقدون عليه المحبة أبيه له، وقد امتلأت صدورهم بالحقد والحسد على يوسف (عليه السلام) وبدأوا يفكرون في طريقة يتخلصون بها منه.
اقترح أحدهم أن يلقوا يوسف في بئر عميق، فربما يعثر عليه بعض المارة من المسافرين ويأخذونه معهم، لقيت هذه الفكرة استحسانا وقبولا فيما بينهم، واستقر رأيهم على نفيه وإبعاده.
الذئب ونبي الله يوسف (عليه السلام)
وأكمل الجد عرفان ورد اسم الذئب في سورة يوسف حيث أصر إخوة يوسف على تنفيذ خطتهم، فطلبوا من أبيهم أن يسمح لهم بأخذ يوسف معهم في رحلة خارج القرية، فرفض نبي الله يعقوب (عليه السلام) خوفًا على يوسف (عليه السلام)، فعادوا إلى أبيهم وسألوه عن سبب رفضه لخروج يوسف (عليه السلام) معهم ولماذا لا يأتمنهم عليه، فأبدي يعقوب (عليه السلام) لهم عدم ارتياحه لطلبهم، وأنه يخاف أن يغفلوا عن يوسف (عليه السلام) وينشغلوا عنه فيأتيه ذئب فيأكله، قال تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾، طمأن الأبناء أباهم بأن يوسف سيكون في أمان، وأنهم سيحفظونه كما وعدوه، متباهين بقوتهم وكثرتهم ﴿قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾، فرضخ يعقوب (عليه السلام) لطلبهم ووافق على ذهاب يوسف (عليه السلام) معهم، ولكنه ظل يتوجس خيفة في نفسه من أن يصيب يوسف (عليه السلام) مكروه.
أدرك إخوة يوسف (عليه السلام) أخيرًا أنهم حصلوا على مرادهم، وبعد أن خرجوا من منزلهم وذهبوا بيوسف (السلام) بعيدا عن أبيهم أجمعوا على إلقائه في البئر، وأوحى الله إلى يوسف (عليه السلام) بدون أن يشعر إخوته أن لا يحزن مما فعلوه معه، فإن الله سيجعل له من بعد ذلك فرجا ومخرجا حسنًا، وسينصره عليهم ويعليه ويرفع درجته، وسيخبرهم يوسف (عليه السلام) بما فعلوا معه في هذا الصنيع لاحقا، ثم ألقى الإخوة بيوسف (عليه السلام) في البئر المظلم، وظلوا عنده حتى غربت الشمس وغاب الشفق ودخل الليل، وكانوا قد اختاروا هذا الوقت؛ لأنه وقت لا يمكن فيه البحث عن يوسف (عليه السلام) وهو الوقت الذي تنشط فيه الذئاب.
عاد الأبناء إلى أبيهم ليلا، متظاهرين بالبكاء والحسرة والندم على فقدان أخيهم، مظهرين لوالدهم الأسف والجزع على يوسف (عليه السلام)، وأخبروا أباهم بأنهم ذهبوا ليتسابقوا في الجري فيما بينهم وتركوا يوسف (عليه السلام) عند أمتعتهم، لأنه لا يقوى مثلهم على العدو، ومن أجل أن يحفظ المتاع، فحدث ما حدث وأكله الذئب، قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يوسف عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾، كان الإخوة شبه متيقنين بأن والدهم لن يصدق روايتهم، ولكي تكتمل المؤامرة ويقنعوا أباهم بروايتهم جاءوا بقميص يوسف (عليه السلام) وعليه دم كذب أي ليس دم يوسف (عليه السلام) ربما ذبحوا شاة أو كبشا في محاولة لإقناع يعقوب (عليه السلام) بأن هذا قميص يوسف (عليه السلام) الذي أكله فيه الذئب وقد أصابه من دمه، لم يقتنع يعقوب (عليه السلام) بالرواية وحزن حزنا شديدًا، وأعلن لهم أن ما حدث ليس كما قالوا، بل إنهم يخفون شيئًا في صدورهم، طالبًا من الله أن يلهمه الصبر على فراق يوسف (عليه السلام) وأن يفرج الله بعونه ولطفه هذا الهم عن قلبه، وقال: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾.
وبينما كان يوسف (عليه السلام) يقبع وحيدًا في البئر في ليل مظلم بعيدًا عن أبيه وبيته، اقترب من البئر مجموعة من السيارة قافلة من المسافرين وكان قد أصابهم من سفرهم التعب والمشقة، فأرادوا أن يستريحوا من سفرهم ويشربوا ويسقوا دوابهم، فأرسلوا واحدًا منهم ليأتي لهم بالماء، فألقى بدلوه في البئر ليرفع الماء فتشبث به يوسف ليخرج، فكان الدلو ثقيلا، إلا أن صاحب الدلو تمكن من رفعه، فذهل وأصابته الدهشة عندما رأى غلامًا في الدلو، فلم يتوقع أن يكون في البئر هذا الغلام في ذلك الليل المظلم، وصاح بين أصحابه منبها لهم على عثوره على غلام في البئر، ثم قرر السيارة أن يأخذوه معهم إلى مصر، وفي مصر أقام في بيت عزيز مصر وتجلى كرم الله على يوسف (عليه السلام) بأن جعله على خزائن الأرض.
تعجب الحفيدان وقالا: سبحان الله.
نظر الجد والجدة إلى الحفيدين، ورأيا عيونهما تلمع بالمعرفة والعبرة.
فقالت الجدة: كم أنا فخورة بكما يا حفيدي! لذلك، لا ننسى أيضًا الاطلاع على قصة سيدنا يوسف
ضحك الجد وقال: ولكن هل تذكران اتفاقنا؟!
صاحت مرام وقالت في مرح ولكن الإجازة انتهت يا جدي وسنعود غدًا إلى بيتنا.