ولا نزال ننهل من الذاكرة الجميل.. فقد أعرب الدكتور مالك الأحمد، الخبير الإعلامي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، عن استيائه من موجة الاتجار بالدين التي اجتاحت القنوات الفضائية هذه الأيام، مشيرا إلى أنها ظاهرة طارئة لم يعهدها المسلمون طيلة تاريخهم، وأن ما يفعله بعض الدعاة والمنتمين للعلم الشرعي لا يعبر عن الوجه الحقيقي للإسلام ولا يقدم الصورة المأمولة للدعاة والعلماء.
وفي معرض حديثه عن هذه الظاهرة، شدد الأحمد على خطورة التكسب الذي استفحل وتطور حتى أصبحت بعض الجهات تتفنن في ابتكار مغريات تجذب انتباه المهتمين الغافلين لاستنزاف أموالهم في عملية مربحة لجميع أطرافها بدءا من الجهة الناشرة مرورا بوسيط النقل وانتهاء بشركات الاتصال: «صدمتُ حين رأيت على قناة دينية يفترض أن تنشر الوعي بين الناس، إعلانا من قبيل: «للحصول على رقية فك السحر، أرسل كذا إلى رقم كذا، وقيمة الرسالة 5 ريالات»، وهناك أيضا رسائل للعائن «المصاب بالعين» وأخرى منوعة بحسب رغبة المشاهد!». ويستدل الأحمد على طغيان هذه الفكرة بمثال آخر: «جهة أخرى خصصت رقما لطلب الفتوى، وقيمة الاتصال مضاعفة عدة مرات، والكثير من جوالات الجهات الإسلامية تحوي أشياء تعليمية صرفة لا ينبغي أن تكون مجالا للاستفادة والربح».
ويقيس الأحمد وجه اعتراضه على مثال محسوس من الواقع اليومي: «لنتخيل شيخ علم في المسجد له دروس في السيرة أو الفقه أو التفسير، يطالب الحضور بدفع مقابل مادي للاستماع، كيف تكون صورته أمام الناس؟ شيء قريب من هذا يحدث دون أن ينتبه الكثيرون!».
وتختلف هذه الخدمات المدفوعة التي يقصد منها الربح المباشر من نشر العلم، عن تلك التي لا يكون العلم الشرعي جزءا منها، حسب رأي الأحمد «أتفهم تماما أن بعض الأشياء لا تمثل حاجة دينية صرفة وهي من بند الاهتمام الشخصي، كالاستماع للقارئ الفلاني مقابل كذا أو الشاعر العلاني مقابل كذا، أو مقتطفات ممتعة ومفيدة، لكني لا أقبل أن تكون أحاديث بعينها مدفوعة الثمن، ولا آيات محددة مقابل مبلغ».
ويميز الأحمد في حديثه بين هذا النوع من التكسب وبين الأموال التي تدفع لقاء التعلم في الكليات والمعاهد، ملمحا إلى مشروعيتها كونها تطلب لذاتها في مكان يستلزم إنشاؤه وتشغيله تكاليف إضافية «لا أرى مانعا من طلب المال مقابل التعليم النظامي بمبلغ مقبول، فالطالب هنا سيحصل على شهادة، والدراسة رغبة شخصية، والدروس التي سينالها تتجاوز الحاجة العامة».