تعمدني بنصحك في انفرادي ….. وجنبني النصيحة في الجماعة.
فإن النصح بين الناس نوع ….. من التوبيخ لا أرضى استماعه.
وإن خالفتني وعصيت قولي ….. فلا تجزع إذا لم تعط طاعه.
أروع ما قيل في التناصح بين الإخوان والخلان وأدب النصح، تلك الأبيات الرائعة التي تنسب للإمام الشافعي “رحمه الله.
كلنا في هذه الحياة يخطئ ويصيب، وقد يستعصي علينا إدراك الحق ونزيغ عنه، وقد نضل الطريق في السير نحو تحقيق ما نريد من الخير، وفي كل هذه الأحوال نتلمس الهدى والرشاد في نصيحة محب أو ارشاد مرشد حكيم، يفهم حالنا ويقدر الأمور حق قدرها، ولأن الله يريد التيسير علينا واللطف بنا فقد حثتنا شريعتنا على التناصح وأن يدل بعضنا بعضًا على الطريق، وأن يقيل كل منا عثرة أخيه ويأخذ بيده إلى ما فيه صلاح حاله ومآله، ولكن للنصيحة أدب ولها طريقة لكي تؤتي ثمارها، وينتفع بها الناصح والمنصوح له، هذا الأدب علمنا إياه ديننا الحنيف!
وهنا سيدور الحديث عن النصيحة في الإسلام ولمن تكون النصيحة، وكيف تكون وما أهميتها وما ثمارها؟
مفهوم النصيحة الشامل
إن النصيحة من النصح وهو الإخلاص في الشيء وإحسانه، والنصيحة تشمل كذلك الدعوة إلى الله والتوجيه إلى فعل الخير وترك المنكر، والأمر بالمعروف بكل صوره وأشكاله.
والنصيحة المتعارف عليها بيننا وفي أذهاننا هي النصيحة للإخوان والخلان والأهل، وإرشادهم إلى طيب الأقوال والفعال، وقد حضت على ذلك السنة، وحثت عليه الفطرة القويمة السليمة، والخلق المعتدل.
مكانة النصيحة في الإسلام
لقد أعلى الإسلام مكانة النصيحة وجعلها من أهم الأمور التي أوصى بها، بل جعل النصيحة من تمام الدين ومن العوامل المكملة له وتستمد النصيحة تلك الأهمية من عدة أوجه، منها على سبيل المثال:
- أن النصيحة للمسلمين والارشاد إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من الحقوق التي نصت عليها الشريعة الإسلامية بين المسلمين، فضلا عن كونها من وظائف الرسل والأنبياء، فالنصيحة لا تنفك عن التبليغ والهداية وهي رسالة النبين والمرسلين، ومما يدل على ذلك قول الله عز وجل على لسان سيدنا شعيب عليه السلام: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)، وقد قالها غيره الكثير من الأنبياء والمرسلين، فالناصح الأمين هو مرشد وهاد ومنقذ من الزلل.
- أن النصيحة هي الوسيلة المشروعة لتدارك الخطأ وتصحيحه إذا وقع، فالإنسان مهما بلغ من العلم والخبرة فهو خطاء وليس معصوما، وقد يخطئ في حساباته ويسيء الحكم على الأمور، فكانت النصيحة عونا ودليلا في حيرة الحياة.
- أن النصيحة للآخرين بأمانة وصدق وحب جاءت ضمن الأمور التي بايع النبي أصحابه عليها، وهذا ما يدل عليه نص الحديث الشريف عن جَرِير بن عبدالله ” رضي الله عنه ” قال: “بايعتُ رسول الله ” صلَّى الله عليه وسلَّم ” على إقام الصَّلاة وإيتاء الزَّكاة، والنُّصح لكلِّ مسلم”؛ رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
- تعتبر النصيحة علامة الحب في الله، والحرص على الخير للغير، وهي نوع من المساعدة والتعاون على البر والتقوى، ومن ثم فإن المجتمع الذي ينصح فيه الناس بعضهم، ويرشدون غيرهم إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا، هو مجتمع صحيح سوي، متماسك قوي.
- التناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة من علامات المجتمعات الخيرة الطيبة، وقد وصف الله بذلك أمة الحبيب “صلى الله عليه وسلم”.
أدب النصيحة في الإسلام
تعتبر النصيحة مقبولة ومستحبة وذات أثر طيب إذا ما توافرت فيها عدة أمور من أهمها:
- أن تكون النصيحة صادقة أمينة خالصة لوجه الل ولا يبتغي منها الناصح إلا الخير والصلاح، فتخرج عن ذلك النصيحة التي تدخل تحت بند الغش أو المخادعة أو تصيد الأخطاء أو غيرها.
- يجب أن تكون النصيحة عن علم وخبرة.
- والأهم من كل هذا أن تكون النصيحة سرا، فالإنسان لا يقبل نصحا ممن يجاهر بعيوبه وينتقده على الملأ، ويشعر أن في ذلك إهانة، قد كان دأب النبي في نصح أصحابه أن يوجه الكلام عاما ولا يذكر أسماء، فيقول: ما بال أقوام فعلو كذا وكذا .. فيعرفهم خطأهم وينصحهم دون أن يفضحهم بين أصحابهم، ولنا في رسول الله قدوة حسنة.