بعد الصلاة والسلام على نبيينا خير الأنام، وأله وأصحابه الغر الكرام، وعلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلي يوم الدين، أود في البداية التنويه إلى أمر هام وهو أن هذا المقال لا يتناول الدعوة إلى الله بمفهومها الخاص كمهمة من مهمات رجال الدين وعلماء الشريعة بمختلف تخصصاتهم، وإنما نحن بصدد الدعوة إلى الله بمفهومها العام الذي ينبع من منطلق مسئولية المسلم تجاه دينه ومجتمعه، والذي يتساوى فيه المسلمين بمختلف تخصصاتهم وأوضاعهم وميولهم.
الدعوة إلى الله رسالة عامة
المسلم الحق يجب أن يجعل من نفسه داعية إلى الله، وأن يعكس صورة الإسلام وقيمه وتعاليمه في كل أحواله، بل يجب أن يكون رسالة بالغة الوضوح عن دينه، سواء في تعامله مع بني دينه وبني جلدته أو تعامله مع غريب عن المسلمين وعن عالمهم، وعليه أن يدع للمعروف وينه عن المنكر، ويرسخ القيم والفضائل في أي وسط يتواجد فيه، وهذا الأمر يمكن أن نستنتجه من كتاب الله الكريم وسنتة نبيه عليه الصلاة والسلام، أما القرآن الكريم، فيقول الله عز وجل: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )، ومنه قول النبي صلى الله عليه: (بلغو عني ولو آية).
كيف يكون المسلم داعيا إلى الله؟
كل إنسان منا، مهما كان مركزه أو حاله له مجتمعه الخاص الصغير، والذي يشمل أسرته وجيرانه وأصدقائه المقربين وزملائه في العمل، وحديثا أصبح من ضمن المجتمع الصغير لكل منا أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو مطالب بأن يكون داعيا إلى الله في مجتمعه، وهذا النوع من الدعوة لا يتطلب أدوات من المعرفة والفقه وعلوم البلاغة والإقناع وغيرها، فهذا من شأن الخطباء والوعاظ ورجال الدين، ولكنه يتطلب فقط أن يكون الشخص قدوة في أفعاله وأقواله ،وأن يكون واعيا لما يصدر عنه من سلوكيات، وأن يكون على يقين بأن هناك من يتأثر به ويأخذ عنه ولو كان أضعف الإيمان أبنائه، وأن يدع إلى صالح القيم وأن يعلم من حوله حسن التعامل مع الغير، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الدال على خير كفاعله.
وكم من مسلم كان بفضل رقيه وحسن اتباعه للإسلام صورة مشرفة، وسببا في هداية بعض خلق الله إلى طريق الله.
فمهما يكن ما معك من العلم، بلغه فلعله يصادف أذنا واعية وقلبا مشرقا فينتفع به وينصلح به حاله، ولا تحقرن من أمر الدعوة إلى الله شيئا، ولو أية واحدة فقد تكون سببا في تغيير مسار إنسان من الباطل إلى الحق، ومن التخبط والضلال إلى نور الهداية واليقين، تعود أن تنقل عن دينك صورته الحقيقية الرائعة والراقية والشاملة.
ثمرة الدعوة إلى الله
أولا: دعنا نسلم بأننا مأمورين بأن ندعو إلى الله في كل أحوالنا وأقوالنا، وأننا إذ نفعل ذلك لله فسيج زينا الله خير الجزاء بإذنه تعالى، والدعوة إلى الله غير مرهونة بحسن الاستجابة أو عدمه، فالله عز وجل يقول: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164).
ثانيا: دعنا نتعرف على فوائد الدعوة إلى الله، وما أكثرها، فأولها ثواب الله ومعذرته لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، أن الله ينجي الذين ينهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف، يقول تعالى استكمالا للآية السابقة: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165).
اما لو وفق الله الانسان ليكون سببا في هداية أخ مسلم، أو الأخذ بيده إلى طريق الحق أو كان سببا في اكتسابه معرفة بأمر ما يُنتفع به، فهو من فضل الله على ذلك الإنسان وقد قال رسول الله –صل الله عليه وسلم- في ذلك المعنى: (والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) وفي رواية أخرى (خير لك مما طلعت عليه الشمس)، أو كما قال –صلى الله عليه وسلم- ، ومن المعلوم أن المراد بالهداية هنا كل تحول من الباطل إلى الحق وليس الدخول في الإسلام فقط، فمن كان سببا في رد ظالم عن ظلمه، ورجوع عاص عن معصيته، وعودة تارك لفرض من فرائض الإسلام لفرضه، كلها من باب الهداية.