شهر رمضان هو شهر الخير الكثير والعطاء الجزيل من رب العالمين، شهر تضاعف فيه الأجور وتمتلئ القلوب بالرجاء والأمل، شهر جمع بين بركة المناسبة وبركة التوقيت، ففي وقته بركة وفي أحداثه بركة، وفي كل ما خص به من الفضائل والمزايا من البركة ما يثلج صدور الواقفين بباب الله الراجين لرحمته والمشفقون من عذابه، الطامحين إلى نيل أسباب السعادة في الدنيا والآخرة.
إنه شهر رمضان العرض المتميز والخاص جدًا لجبر الخواطر والعفو، لأجل ذلك وأكثر ينبغي أن نسارع إلى جمع أسباب السعادة في الدارين ونطرق كل باب يمكن أن يؤدي إليها، وكل طريق نظن أنه سيوصلنا إليها.
وهنا سنتحدث عن باب من أبواب النجاة وسبب من أسباب نيل الأمنيات وتحقيق الآمال، وهو باب لا يخيب الواقفون به على أي حال فما بال الوقوف به في رمضان شهر البركة واللطف والرحمات! عن باب الدعاء حين يطرقه المؤمن في شهر رمضان نتحدث!
الدعاء وفطنة اختيار الوقت الأفضل
إن الدعاء بصفة عامة باب من أبواب النجاة، ووسيلة الضراعة من أهل الأرض لرب السماء، لطلب ما يريدون وتحقيق ما يتمنون من خيري الدنيا والآخرة، ولولا الدعاء لما تحقق الكثير من الأمنيات ولا رفع عن الناس ما يعرفون وما لا يعرفون من الابتلاءات والنوازل، والله عز وجل هو القائل: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ).
وإذا كان للدعاء أثر في كشف الكروب وقضاء الحاجات والنجاة من المتاعب والمهالك، وتيسير الأمور وبلوغ الأماني في كل الأوقات وعلى جميع الأحوال، شريطة أن لا يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم، فإنه يصير مؤكدًا وفاعلًا ومجديًا إذا ما أحسن العبد اختيار الأحوال والأوقات والأماكن التي يستجاب فيها الدعاء، ومن حسن إكرام الله عز وجل لنا ولطفه بنا أن جعل شهر رمضان يجمع عددًا من الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء والمواضع التي تضاعف فيها البركة وتزيد فيها الفرص.
عند لحظات الفطر: من فضائل الشهر الكريم أن جعل الله للمسلم الصائم مكافأة قريبة الأجل وهي دعوة مستجابة عند الفطر، ومما دل على ذلك حديث أبي هررة –ضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.
فالمسلوم متى صام ثلاثين يومًا فقد حاز ثلاثين فرصة تتضمن وعدًا من الله بدعوة مستجابة وأمنية محققة، فمن الحمق أن يضيعها المسلم دون أن يستثمرها في التوجه إلى الله بكل ما يتمنى تحقيقه، ويرجوا حدوثه.
مع ساعات السحر: أما ساعة السحر فهي ساعة البركة وتجلي ربنا عز جل إل السماء الدنيا ليجيب دعوة الداعي ويغفر لمن يرجوا المغفرة وقد دلنا على ذلك الحديث الشريف، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْهِلُ حَتَّى يَذْهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : ” هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ ، هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ “، حَتَّى يَنْشَقَّ الْفَجْرُ.
وهذا كل ليلة فوقت السحر من الأوقات التي يغفل فيها الناس فجعل الله لمن يحييه بالقيام أو الدعاء وعد ًا بأن لا يرد سؤله، وإن كانت البركة متحققة في رمضان وغيره إلا أنها في رمضان مؤكدة، فرمضان مظنة الاستجابة للدعاء.
ليلة القدر: أما ليلة القدر فهي ليلة في الدهر لا يضاهي بركتها وخصوصيتها شيء، خصها الله بشهر رمضان وخص بها شهر رمضان، ليلة تصاغ فيها سعادة العباد بقدر إقبالهم على ربهم واغتنامهم لتلك الليلة وفضلها العظيم، فمن هدي إليها ووفق إلى إدراكها وعبادة الله فيها فقد أوتي خيرًا عظيمًا وفضلًا كبيرًا، ومن غفل عنها فقد غفل عن كنز من كنز دهره قد لا يتكرر مرة ثانية.
وقد ورد عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا -أُرَاهُ قَالَ- إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ.
بين كل أذان وإقامة: اللحظات ما بين الآذان والإقامة من لحظات استجابة الدعاء في رمضان وغيره، وفي رمضان أكثر.
يوم الجمعة: يوم الجمعة يوم عظيم الفضل والخصوصية فإن اجتمع فضل اليوم وفضل الشهر فذاك منزلة عظيمة وخصوصية كبيرة، ينبغي لكل مسلم الانتباه إليها، وأن يكثر من الدعاء فيها، فقد علمنا النبي –صلى الله عليه وسلم- أن في يوم الجمعة ساعة لا يرد فيها الدعاء، فلنحسن استثمارها وخاصة في رمضان.