الدعاء سر من أسرار القوة والإرادة أودعه الله في الأرض، ليجعل لهم باب أمل لا يغلق أبدا يلوزون به عند الشدائد والكُرُبات، ويقفون به عند العجز عن دفع المتاعب والملمات، صلاحية الدعاء حق لكل الناس المطيع والعاصي والبر والفاجر، لم يغلق الله باب الدعاء في وجه أحد حتى إبليس الذي لعنه الله وصب عليه غضبه لم يحرمه من الدعاء.
وهنا سوف نقف عند نعمة الدعاء، لنتعرف على أهميته وثمراته، ونتعرف على أدواته وشروط الاستجابة للدعاء والأثار الكريمة الواردة في فضله.
إقرأ أيضاً عن: أحوال المؤمن
أهمية الدعاء وثمراته
الدعاء أحد أهم مظاهر العبودية لله، حيث ينطوي على التوجه لله وحده والوقوف ببابه وطلب الخير من لدنه، وإظهار الضراعة والتذلل له، كما ينطوي على الثقة بالله واليقين في رحمته والرجاء في إدراك الاستجابة ونيل المراد، ويقال أن الدعاء مخ العبادة، لأنه يمثل السر الذي يعكس إقرار العبد بطلاقة قدرة الله على العطاء وعلى النجاة وعلى النصر.
أما في الشدة وحين تنعدم أسباب النجاة، ولا يملك أحد لنفسه ولا لغيره نفعا ولا شفاعة، يلجأ إليه الإنسان وكأنه نفحة روحية تشد أزره، وتهون عليه أمر الابتلاء، وتبشره بقرب الفرج، ومن رحمة الله بنا أن جعل الدعاء بلا شرط ولا قيد ولا وساطة، وصرح بذلك في كتابه الكريم (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
من عوامل استجابة الدعاء
جعل الله الدعاء متاحا لكافة الخلق حتى العاصي منهم، غير أن استجابة الدعاء خاصة لمن يتقن التوجه إلى الله ويعلم كيف يدعو ويكون على علم بعوامل استجابة الدعاء وقبوله، ولنا في كتب السنة والعقيدة مرجعا حقيقيا وشاملا يعلمنا كل ذلك.
وسنذكر في تلك الفقرة بعض العوامل من حيث الأوقات والأحوال التي يجب على الإنسان أن يراعيها لينال ما يصبوا إليه من الخير والفضل ومنها:
أن يصل العبد بدعائه إلى درجة اليقين التام بأن الله سيجيب دعائه ولن يتخلى عنه أبدا، وقد نبهنا النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى أهمية ذلك فقال: (ادعو الله وانتم موقنون بالإجابة)، ويمكننا أن نصل إلى هذا اليقين، بدراسة سير الصحابة والصالحين والقصص الواردة في فضل الدعاء واستجاباته وسنجد كثيرا من العجائب والكرامات التي من بها الله على عباده الذين يدعونه وهم على يقين بأن الإجابة حاصلة لا محالة، وليس ذلك فحسب بل استنادا إلى حديث نبوي كريم من نبينا الملهم والذي لا ينطق عن الهوى، يحمل بين ثناياه بشرى لكل من وقف بباب الله داعيا رافعا أكف الضراعة أن الله لن يخيب مسعاه ولن يرده خالي الوفاض حيث يقول –صلى الله عليه وسلم- عن رب العزة: (إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفرا) أو كما قل عليه الصلاة وأذكى السلام.
برغم ان الدعاء مسموح ومتاح طول الوقت، إلا أن هناك أوقات معينة خصها الله بالبركة واستجابة الدعاء متى وافقها عبد مؤمن، وهذه الأوقات بينها لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأوضحتها لنا أثار كثيرة ومنها على سبيل المثال، ليلة القدر التي عرفت ببركتها وخصوصيتها وأنه ما وافقها عبد مؤمن وهو يدعو إلا استجيب له ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)، ومنها العشر الأوائل من ذي الحجة ويوم عرفة والذين أقسم الله بهم في كتابه، ومنها يوم الجمعة الي قال عنها النبي ان فيها ساعة إجابة لا يرد فيها الدعاء، ومنها الدعاء بين الاذان والإقامة.
كذلك من عوامل استجابة الدعاء أن يوطن المسلم نفسه على عادة الدعاء، في كل أحواله، في الرخاء كما في الشدة، وفي السراء كما في الضراء، فمن يتذكر الله في رخائه يجد الله في شدته.
أن يدع المسلم بما هو مأثور عن النبي من الأدعية وصيغها، وأن يدع بما دعا به النبي من الخير.
أن لا يدع المسلم أبدا بشر أو قطيعة رحم أو مكروه على أحد، إلا من ظلم، فدعوة المظلوم على من ظلمه مستجابة وقد حذر النبي منها وعلمنا أن لا نستهين بدعوة المظلوم أبدا، حيث يقول الله عنها :لأنصرنك ولو بعد حين.
وأخير ينبغي أن لا يكون حظنا من الدعاء هو الاستجابة فقط، فالدعاء عبادة وصلة بين العبد وربه، وراحة نفسية وبدنية وصفاء للروح وتجدد للطاقة والأمل، فلنعود أنفسنا على الدعاء واللجوء إليه في كل أحوالنا.