يقول الله ﷻ: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (التوبة: ٧١)، فمن أعظم المعروف تعليم الجاهلِ الحقَّ كي يعمل به لحماية نفسه من الهلاك، ومن أشر المنكرات إبقاؤه على جهله وتعرضه للهلاك، فلابد من تعليم كل من يمكن تعليمه الحد الأدنى من العلم في دينه، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إن العالم والمتعلم في الأجر سواء.. لا خير في سائر الناس، مالي أراكم تحرصون على ما كُفِل لكم به وتتباطؤون عما أمرتم به؟!» ا هـ. وقد اهتم بذلك كثير من العلماء رحمهم الله وجعلوه على هيئة دروس إيضاحها كما يلي:
الدرس الأول: تعليم سورة الفاتحة وما أمكن من القرآن من سورة الزلزلة إلى سورة الناس، تلقينا وتصحيحا للقراءة، وتحفيظا وشرح ما يجب فهمه، والأربعين النووية من الحديث أو ما تيسر منها أو مثلها حفظا وفهما.
الدرس الثاني: تعليم أركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة والإحسان وركنه.
الدرس الثالث: أركان التوحيد: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
الدرس الرابع: أقسام الشرك: الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والشرك الخفي والتحذير منه.
الدرس الخامس: ضرورة الالتزام بتقوى الله، فهي وصية الله لعباده: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} (النساء: ١٣١).
وهي الشرف بمعية الله بالتأييد والنصرة: {واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} (البقرة: ١٩٤)، والتقوى وسيلة للقبول: {إنما يتقبل الله من المتقين} (المائدة: ٢٧)، وهي المخرج من كل ضيق والمجلبة للرزق والوعد باليسر: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب…}، {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} (الطلاق: ٢ – ٤)، {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة: ١٩٧).
الدرس السادس: التحذير من كبائر المعاصي، يقول الله ﷻ: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} (الفرقان: ٦٨ – ٦٩)، ويقول الله ﷻ: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} (النساء: ٣١).
وفي الصحيحين قال رسول الله ﷺ: «اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات» اهـ. ومنها: عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وشهادة الزور، وإيذاء الجار، وظلم الناس في الدماء والأموال والأعراض، والمسكرات، والقمار (الميسر) والغيبة والنميمة، والنياحة، والتشبه بالجنس الآخر أو بغير المؤمنين، وإسبال الثياب للرجال وكل ما نهى الله عنه ورسوله.
الدرس السابع: النية الصالحة فلا؛ قبول لعمل إلا بنية خالصة للتعبد لقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى…» الحديث. ومحلها القلب بالقصد والإرادة، ويجهر بالحج والعمرة لجهره ﷺ بهما، مع العلم بشروط العبادة.
ومنه الإخلاص في العمل في حق الله ثم في حق الآخرين لوجه الله لا لانتظار المعاملة بالمثل أو استعجال الأجر؛ اتباعا لقول الله ﷻ: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا} (الإنسان: ٩ – ١٠)، ليتم وعد الله {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا} (الإنسان: ١١).
فكل عمل يجب أن يكون خالصا لله، فإن حصل الجزاء والشكر دون الطلب والانتظار، فهو فضل من الله وبشرى للمؤمن، ومن يعمل للجزاء من غير الله؛ فسوف يقطع البر إذا لم يتم له الجزاء والشكر. والله اعلم.
الدرس الثامن: في الطهارة للعبادة: بدءا بالغسل: وهو عند الدخول في الإسلام لحديث قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبي ﷺ أن يغتسل بماء وسدر وكذا من الجنابة، يقول الله ﷻ: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}، ومن الحيض: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} (البقرة: ٢٢٢)، وفي المسند لأحمد وغيره «كان ﷺ يغتسل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الفطر، ويوم النحر…» الحديث. ويبدأ الغسل بالوضوء، ثم يعمم الجسم بالماء.
ومنه الوضوء وشروطه: وهي عشرة: الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية وعدم قطعها حتى تتم الطهارة، وانقطاع موجب الوضوء، والاستنجاء أو الاستجمار بطاهر، وطهورة الماء وإباحته وإزالة ما يمنع من وصوله إلى البشرة، ودخول وقت الصلاة في حق من حدثه دائم.
ومنه فروض الوضوء: وهي ستة: غسل الوجه، ومنه المضمضة، والاستنشاق، وغسل اليدين مع المرفقين، ومسح جميع الرأس ومعه الأذنان، وغسل الرجلين مع الكعبين والترتيب والموالاة، وفي الحديث: «ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء».
ومنه نواقض الوضوء: وهي ستة: الخارج من السبيلين، الخارج الفاحش (الكثير) النجس من الجسد (الدم) وزوال العقل بنوم وغيره، ومس الفرج باليد قبلا أو دبرا من غير حائل، وأكل لحم الإبل، والردة عن الإسلام، أعاذ الله الجميع منها، أما قول الله ﷻ: {أو لامستم النساء} فالمراد به النكاح؛ لأن النبي ﷺ قبّل بعض نسائه فصلى ولم يتوضأ. وورد في القرآن بمعنى الجماع، قال ﷻ: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} (البقرة: ٣٧).
ومنه التيمم: إذا حل محل الوضوء والغسل، يقول الله ﷻ: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} (النساء: ٨٣)، وينقض التيمم ما ينقض الوضوء ورؤية الماء، إذا قدر على استعماله ويصلي بتيممه ما شاء فرضا ونفلا.
الدرس التاسع: في الصلاة: يقول الله ﷻ: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} (البينة: ٥).
ومنه شروط الصلاة: وهي تسعة: الإسلام، والعقل، والتمييز، ورفع الحدث، وإزالة النجاسة، وستر العورة، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، والنية ومحلها القلب. وفي الصحيحين عن النبي ﷺ قال: «من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» {وأقم الصلاة لذكري} (طه: ١٤).
ومنه أركان الصلاة: وهي أربعة عشر: القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والاعتدال بعده، والسجود على الأعضاء السبعة، والرفع من السجود، والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في جميع الأفعال، والترتيب بين الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي ﷺ والتسليم. وتبطل صلاة المتعمد بترك ركن، وتعاد الركعة التي لم يأت بركن منها نسياناً.
ومنه واجبات الصلاة: وهي ثمانية: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، وقول «سمع الله لمن حمده» للإمام والفرد، وقول «ربنا ولك الحمد» للكل، وقول «سبحان ربي العظيم» في الركوع، وقول «سبحان ربي الأعلى» في السجود، وقول «رب اغفر لي» بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له، وتبطل صلاة المتعمد بتركه، ويجبره سجود السهو للناسي للإمام والفرد.
أما قول الله ﷻ: {واركعوا مع الراكعين} (البقرة: ٤٣)، أي في جماعتهم، وفي الصحيحين عنه ﷺ قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» اللفظ للبخاري.
ومنه سنن الصلاة وهي كثيرة، منها دعاء الاستفتاح، وما زاد عن الفاتحة، والجهر بالقراءة في صلاة الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، والجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والإسرار في الظهر والعصر والأخيرة من المغرب والأخيرتين من العشاء، جعل كف اليمنى على كف اليسرى فوق الصدر في القيام قبل الركوع وبعده، رفع اليدين مضمومتي الأصابع حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول وما زاد عن واحدة في تسبيح الركوع والسجود وما زاد عن «ربنا ولك الحمد» بعد الركوع، وما زاد عن مرة «ربي اغفر لي» بين السجدتين ومساواة الرأس بالظهر في الركوع، ووضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع في الركوع ومضمومتي الأصابع في السجود، ومجافاة (إبعاد) العضدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في السجود، والجلوس على الرجل اليسرى مفروشة ونصب اليمنى في التشهد الأول بين السجدتين، والتورك (الجلوس على مقعدته ونصب اليمنى وجعل اليسرى تحتها) في التشهد الثاني، والإشارة بالسبابة في التشهدين إلى النهاية وتحريكها عند الدعاء، والتبريك على محمد وآله وإبراهيم وآله بعد الصلاة والسلام عليهما في التشهد الأخير، ولمسلم عنه ﷺ: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال» مع مراعاة بقية ما ورد من السنن.
ومنه: مبطلات الصلاة: وهي ثمانية: الكلام إلا للناسي والجاهل، فلا تبطل، والضحك، والأكل والشرب، وانكشاف العورة، والانحراف الكثير عن القبلة، العبث الكثير المتوالي، وانتقاض الطهارة، ويعيد الإمام وحده إذا كان محدثاً، وبذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين؛ فإنهم صلوا بالناس ثم رأوا الجنابة بعد الصلاة فأعادوا ولم يأمروا الناس بالإعادة.
الدرس العاشر: في الزكاة، يقول الله ﷻ: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم} (التوبة: ١٠٣). وأما بيان مقدارها فهو مختلف بين أصول الأموال، وعروض التجارة، والسائمة، والزراعة. وأصحاب الزكاة هم: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} (التوبة: ٦٠).
ثم الصدقة: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} (النساء: ١١٤). ومن آدابها: {يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر} (البقرة: ٢٦٤).
الدرس الحادي عشر: في الصيام، قول الله ﷻ: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة: ١٨٣). ومن أحكامه: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} (البقرة: ١٨٤) ومنها: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}… إلى قوله ﷻ: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} (البقرة: ١٨٧). والاعتكاف سنة ويستحب في مساجد الجمعة، وتكراره حسن ومن أحكامه: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها} (البقرة: ١٨٧).
الدرس الثاني عشر: في الحج: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} (آل عمران: ٩٧). وزمانه {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله} (البقرة: ١٩٧). ومن الحكمة فيه: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} (الحج: ٢٨-٢٩). والعمرة لها حكم الحج، ويجب إتمامها لله، يقول الله ﷻ: {وأتموا الحج والعمرة لله} إلى قوله ﷻ: {واعلموا أن الله شديد العقاب} (البقرة: ١٩٦).
الدرس الثالث عشر: طاعة أولي الأمر بالمعروف، بعد طاعة الله ورسوله ﷺ: {يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} (النساء: ٥٩). وعن عبادة بن الصامت ] قال: «بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكروه والأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم».
ومنه: ما رواه مسلم وغيره عن تميم الداري قال: قال رسول الله ﷺ: «الدين النصيحة، الدين النصيحة الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وفي مجموع الفتاوى: النصيحة لله ولكتابه ولرسوله تدخل في حق الله وعبادته وحده لا شريك له، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم هي مناصحة ولاة الأمر ولزوم جماعتهم وأما النصيحة الخاصة لكل واحد.. فهذه يمكن بعضها ويتعذر استيعابها على سبيل التعيين.
ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب العلم والاستطاعة والمسؤولية: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: ١٠٩). وبيانه: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل: ١٢٥).
الدرس الرابع عشر: حقوق الآخرين، يقول الله ﷻ: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر: ٩) بأن تؤثر الخلق ما أمكن على نفسك فيما لا يحرم عليك دينا ولا يقطع عليك طريقا ولا يفسد عليك وقتا، بدءا بالوالدين وبمن تعول ثم الأقرب فالأقرب، ثم خلق الله أجمع، وسداد الدين، ومحاربة الربا، يقول الله ﷻ: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} (فصلت: ٣٤-٣٥).
ومنه التحلي بالأخلاق المشروعة، العفاف والحياء، الشجاعة والكرم، الوفاء، والنزاهة عن كل حرام، وحسن الجوار، ومساعدة ذوي الحاجة بالاستطاعة، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك الخيانة، وخفض الجناح، ولين الكلام ورحمة اليتيم، والتفقه في الدين والجزع من الحساب وحب الآخرة، وعدم الاعتداء والإفساد في الأرض، وعدم الشتم، ولا يُصدقُ كاذبا ولا يُكذبُ صادقا ولا يعصي إماما عادلا، والوصية بذكر الله، ولكل ذنب توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية والله أعلم.
ومنه التأدب بالآداب الإسلامية: إفشاء السلام والبشاشة والأكل والشرب باليمين، والتسمية بالله في ابتداء الأمور كلها والحمد عند الانتهاء وللنعمة وبعد العطس، وتشميت العاطس إذا حمد الله، وعيادة المريض واتباع الجنائز للصلاة والدفن، وآداب دخول المساجد والمنازل وغيرها والخروج منها وحسن الرفقة في السفر والإقامة للناس والشركاء في العمل والعلم، والتهنئة بالأفراح والتعزية في المصائب.
ومنه إطعام الطعام؛ لقول الله ﷻ: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} (الإنسان: ٨) والحَضُّ عليه مخافة من قوله ﷻ: {إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين} (الحاقة: ٣٤). وما أكثر الجوعى في العالم، ومنه قِرى الأضياف.
الدرس الخامس عشر: حسن اختيار العشير والخليل وفي المقدمة الزوجان: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم: ٢١)، وللصاحب التقي، يقول الله ﷻ: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف: ٦٧)، وللوقاية يقول الله ﷻ: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} (التحريم: ٦)، فبحسن اختيار الأخلاء لشدة تأثيرهم على المرء وأهله، تحسن الوقاية.
الدرس السادس عشر: تجهيز الميت والصلاة عليه ودفنه: كما ورد بالسنن، فيبدأ بتلقينه للشهادة عند احتضاره، ولمسلم، قوله: «ﷺ لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة» وإغماض عينيه وغسله إلا الشهيد في المعركة ويدفن في ثيابه لأنه ﷺ لم يغسل شهداء أحد ولم يصل عليهم.
صفة الغسل: وهو فرض كفاية، وغسله والصلاة عليه ودفنه لوصية ثم الأقرب والمرأة وصيتها ثم الأم والجدة، وللزوجين أن يغسل أحدها الآخر، فتستر العورة، يرفع قليلا ويعصر بطنه برفق، ويلف الغاسل يده بخرقة أو نحوها فينجيه بها ثم يوضأ وضوء الصلاة، غسل رأسه ولحيته بماء وسدر ونحوه، ثم شقه الأيمن فالأيسر، ثم يغسله كذلك ثانية وثالثة يمر على بطنه خرج منه شيء سده بقطن أو نحوه وأعاد غسله، ثم ينشفه ويقص أظافره وشاربه فقط، ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده أو جسده كله، ويبخر كفنه ولا يختنه لعدم الدليل ويضفر شعر المرأة ثلاثا ويسدل من ورائها، ولا يجوز إفشاء عيب في جسم الميت.
صفة التكفين: الرجل إن أمكن في ثلاثة أثواب بيض لا قميص ولا عمامة يدرج فيها، والمرأة في خمسة أثواب: درع وخمار وإزار ولفافتين، والصبي ثوب إلى ثلاثة والصغيرة في قميص ولفافتي، وأقل الواجب للجميع ثوب واحد يستره جميعا، والمحرم يغسل بماء وسدر ويكفن في إزاره وردائه لا يُغطى رأسه ولا وجهه ولا يُطيب يبعثه الله ملبيا، إذ والمحرمة كغيرها كما تقدم يغطى وجهها ورأسها بالكفن.
صفة الصلاة على الميت: فالسنة أن يكبر أربعا: يقرأ في التكبيرة الأولى الفاتحة، وفي الثانية يُصلي على النبي ﷺ كصلاته في التشهد، وفي الثالثة يدعو للميت والأموات والأحياء بالمأثور، ويسلم بعد الرابعة تسليمة واحدة عن اليمين، ويستحب رفع يديه مع كل تكبيرة، ويقف الإمام حذاء رأس الرجل والصبي ووسط المرأة والطفلة ويكون الرجل مما يلي الإمام وإن كان معهم أطفال قدم الصبي على المرأة والطفلة بعدها، والمصلون خلف الإمام، ومن لم يجد مكانا فعن يمينه.
صفة الدفن: يدفن في مقابر المسلمين، لا في غيرها، في مكان محترم، لا في مسجد ولا مكان للتميز سدا للذرائع، ويعمق القبر إلى وسط الرجل، ويكون فيه لحد من جهة القبلة، يوضع فيه الميت على جنبه الأيمن، وتحل عقدة الكفن، ولا تنزع ولا يكشف الوجه، وينصب عليه اللبن ويطيّن إن وجد، أو الحجارة أو الخشب ليقيه التراب، ثم يهال عليه التراب، ويقال: باسم الله وعلى ملة رسول الله ﷺ، ويرفع القبر قدر شبر ويوضع عليه حصباء إن تيسر ويرش بالماء، ويدعى للميت بالثبات، ويصلي عليه من لم يصل في حدود الشهر، وتشرع زيارة الرجال للقبور للدعاء لهم وللاعتبار، أما النساء فلا، ولا يتبعن الجنازة أما الصلاة عليه في المسجد أو المصلى فللجميع، ولا يصنع أهل الميت الطعام للناس، وإن صُنع لهم ولضيوفهم فذلك سنة.
الحداد على الميت: لا تحد امرأة على ميت إلا ثلاثة أيام، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا، والحامل حتى تضع، أما الرجل فلا، والله أعلم.
بقلم: د. حسين بن محمد بن عبدالله آل الشيخ