الكائنات المفصلية
تُعتبر الكائنات المفصلية من أنجح الكائنات على كوكب الأرض. يظن البعض أن البشر هم الذين يديرون الأمور على هذا الكوكب، ولكن في الواقع هذه الكائنات هي التي تقوم بذلك.
ففي فدان واحد من الأرض المزروعة تقوم الديدان الحلقية مثل دودة الأرض بمعالجة حوالي 16000 رطل من التربة ثانوياً، مما يجعل حياة النباتات، وبالتالي؛ حياة الإنسان ممكنة.
وهناك حوالي مليار مليار كائن مفصلي مثل هذه الكائنات في العالم، أي ما يُعادل 10 للأس ثمانية عشر.
كما تشكل المفصليات نسبة 80% من جميع الأنواع الحيوانية المعروفة.
فعلى الرغم من أن عدد الحشرات والعناكب والديدان والروبيان يفوق عدد البشر بكثير إلا أن الإنسان لا يزال يعتبر أكثر تعقيداً من هذه الكائنات بكثير، فلا شك أن الإنسان يتفوق على المفصليات بالكثير من الأمور.
الحيوانات البسيطة
ذكرنا سابقاً أنه حتى بالنسبة لأبسط الحيوانات هناك سمتان تُشيران إلى درجة تعقيد الحيوان البسيط:
- السمة الأولى هي: عدد طبقات التبرعم التي تتكون عند الكائن في المرحلة الجنينية.
- السمة الثانية هي: وجود الجوف أو التجويف الجسمي الذي يحتوي على أجهزة الجسم.
ولكن تزداد درجة التعقيد في الشعبتين الحيوانيتين التاليتين أي؛ الحلقيات والمفصليات نتيجة لوجود سمة إضافية عن السمات التي ذكرناها وهي التجزئة.
التجزئة
هي سلسلة من الوحدات التشريحية المتماثلة المتكررة، ومع تطور الحيوان يمكن أن يتم إضافة أو تعديل هذه الوحدات لأداء وظيفة مختلفة.
فالتطور هو الذي سمح بوجود هذا التنوع الحيوي الكبير.
وفي الواقع المجموعات الحيوانية الثلاثة الأكبر والأكثر تنوعاً في العالم هي تلك المجموعة التي تظهر فيها سمة التجزئة مثل؛ الحلقيات، والمفصليات، والحبليات التي تشمل الفقاريات.
جميع الحيوانات التي تمتلك سمة التجزئة لديها سلف مشترك عاش قبل حوالي 600 مليون سنة. وذلك لأن خاصية التجزئة ذات فائدة كبيرة من منظورٍ تطوري.
يتكون جسم الإنسان كذلك من العديد من الوحدات التشريحية المتماثلة التي تتكرر على امتداد محوره من الرأس وحتى القدمين.
قد يصعب رؤية هذه الوحدات كأجزاء منفصلة، وذلك لشدة تعقيدها.
ولكن انظروا إلى فقرات العمود الفقري، وأضلاع القفص الصدري والغضاريف حول القصبة الهوائية كل هذه الأمور تتكون من أجزاء أو وحدات متكررة حتى الطيات في الدماغ فهي كذلك تتألف من وحدات متكررة فتكون هذه الوحدات الدماغية في غاية التعقيد، ولكنها ما زالت تتألف من مجموعة من الوحدات الأولية.
واقرأ أيضًا عن: علم التشريح المقارن – بحث مستفيض
الحلقيات
من بين الشعب الحيوانية الموجودة الآن تُعد الحلقيات من أقدم الكائنات التي ظهرت عندها خاصية التجزئة؛ وتشمل شعبة الحلقيات؛ العلقيات، وديدان الأرض، والديدان الرملية.
كما تبدو أجسامها كأنها تتكون من الحلقات المدمجة معاً هذه الحلقات هي الوحدات المتكررة.
ولهذا سميت بالحلقيات، وعند النظر إلى دودة حلقية من السهل ملاحظة الأجزاء التي تتكون منها.
التواسم المشترك
تُعد خاصية التجزئة هذه من الأمثلة الجيدة على ما يعرف باسم التواسم المشترك للحلقيات، ويشير مصطلح التواسم المشترك إلى السمات التي تميز مجموعة من الحيوانات عن أسلافها، وعن مجموعات أخرى من الحيوانات انحدرت من نفس الأسلاف.
فعلى خلاف الديدان المسطحة والديدان الاسطوانية تكون الحلقيات مجزأة. كما تمتلك الحلقيات أشواك صغيرة على أجسامها تدعي “الأهلاب الكايتينية” التي تسمح لها بسحب أجسامها والحركه عبر التراب.
يعد هاتان السمتان من الأمثلة على السمات التي تمتاز بها الحلقيات على السلالات الأخرى الأقل تعقيداً المتفرعة من نفس السلف المشترك.
فالتواسم المشترك يعني ببساطة الصفات المشتقة المشتركة، وتكون عادة هذه الصفات هي الصفات التي تميز شعبة معينة عن غيرها.
التشابه الشكلي
يمكنكم كذلك التعرف على نسب الحيوان من خلال ملاحظة التشابه الشكلي أي السمات الأساسية التي يتشارك فيها مع حيوانات أخرى تنحدر من نفس السلف المشترك.
فالتشابه الشكلي بين الديدان المسطحة والديدان الأسطوانية والحلقيات هو أن هذه الأنواع الثلاثة لديها شكل دودة؛ مما يعني أنها تنحدر من سلف مشترك بعيدٍ كان شكله يشبه الدودة.
عند الحديث عن هذه الشعب الحيوانية والصفوف التي تندرج منها لاحظوا أنها متشابهة ومختلفة مع بعضها البعض، فعلى سبيل المثال؛ شعبة الحلقيات تتألف من ثلاثة صفوف مختلفة وهي:
قليلات الأشواك
مثل ديدان الأرض، ويُشير اسم هذا الصف إلى التواسم المشترك فيما بين أفراده.
فهذه الديدان تمتلك الأهلاب الكيتينية أو الأشواك ذات عدد قليل، وتعود أهمية هذه الديدان إلى أنها تبتلع التربة وتُخرجها من الطرف الآخر؛ مما يسمح بدوران الهواء والماء في التربة.
بالإضافة إلى أن فضلاتها غنية بالكثير من الأمور التي تحتاجها النباتات للنمو مثل النيتروجين والكالسيوم والمغنيسيوم والفسفور.
العلقيات
تُصنف الكثير من العلقيات باعتبارها كائنات طفيلية؛ فهي تتغذى على الدم وسوائل الجسم الأخرى.
والسمة المشتركة التي يمتاز بها صف العلقيات أي التواسم المشترك هو قدرتها على الامتصاص بقوة، فهي تمتلك مصاصاً أمامياً وخلفياً؛ حيث تستخدم الخلفية لتثبت نفسها في حين تستخدم الأمامي الذي يُحيط بالفم للالتصاق بالكائن الذي تتطفل عليه.
وتُصنف جميع العلقيات من آكلات اللحوم، وهي ثنائية الجنس مثل ديدان الأرض.
كثيرات الأشواك
والتواسم المشترك فيما بين هذا النوع من الديدان هو أنها عديدات الأهلاب ومعظم أنواع هذا الصف تكون بحرية.
كما يمتاز هذا الصف بتنوعه الكبير، ومن الأمثلة عليها الديدان الرملية التي تحفر ثقباً في رمال الشاطئ وتتركه خلفها أكواماً من قوالب الرمل.
وبهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن الديدان وسننتقل إلى المفصليات.
المفصليات
هناك الكثير منها فعددها يفوق عدد البشر بكثير، ولإعطائِكم فكرة عن عددها تخيلوا أن عدد الحشرات في الميل المربع الواحد من الأرض الزراعية يفوق عدد البشر على كوكب الأرض بأكملها.
أحد أسباب ازدهار المفصليات حسب رأي العلماء هو امتلاكها لخاصية التجزئة التي تحدثنا عنها.
وأظهرت أحافير المفصليات البدائية أنه لم يكن هناك فرق كبير بين سلسلة الوحدات التي يتألف منها الكائن، ولكن مع تطورها اندمجت هذه الوحدات مع بعضها وأصبحت متخصصة لأداء وظائف مختلفة. مما أدى إلى نشوء هذا التنوع الهائل للمفصليات.
فالمفصليات تشمل: العقارب والفراشات وسرطانات البحر التي قد لا يراها البعض على أنها مفصليات.
والتواسم المشترك يُميز أنواع شعبة المفصليات لأنها؛
- أولاً: أن جميعها تمتلك أجسام مجزئة تتألف عادة من ثلاثة أجزاء؛ الرأس والصدر والبطن.
وتُعد خاصية التجزئة في المفصليات مثالاً جيداً على التشابه الشكلي؛ أي السمة الأساسية القديمة التي تشترك فيها مع شعبة الحلقيات والحبليات.
- ثانيا: أن جميع المفصليات تمتلك هيكلاً خارجياً؛ أي قشرة خارجية صلبة مصنوعة من مادة الكيتين؛ وهو نوع من الكربوهيدرات الصلب ومشابه كميائياً إلى السليلوز الموجود في النبات.
وحتى تتمكن المفصليات من النمو عليها أن تخلعه عن جسمها، ولحسن حظ الإنسان أنه لا يحتاج لفعل ذلك لأنها عملية مؤلمة.
- ثالثاً: جميعها تمتلك زوائد مفصلية تتصل بأجسامها، ومن هنا جاءت التسمية؛ حيث يطلق عليها كذلك اسم مفصليات الأرجل، ولكنها لا تمتلك فقط أرجل مفصلية، فبعضها يمتلك مخالب وقرون استشعار مفصلية.
كما تمتلك جميعها زوائد خارجية حول فمها وتكون هذه الزوائد مفصلية كذلك.
وهذه هي السمات التي تشترك فيها شعبة المفصليات. وتقسم كذلك هذه الشعبة إلى أربعة شُعيبات بناء على الاختلافات فيما بينها:
الشعيبة الأولى: كلابيات القرون
وهي الشعيبة التي يخاف منها الجميع، والتي تشمل العناكب والعقارب، بالإضافة إلى سرطان حدوة الحصان والقراد والعث الذي في الغالب ليس له أضرار على الإطلاق.
ربما له أضرار بسيطة، وسميت هذه الشعيبة بكلابيات القرون بسبب امتلكها لزوايد أو قرون كالملاقط أو الكلابات.
وعلى عكس العديد من المفصليات فأفراد هذه الشعيبة لديهم عيون بسيطة تتألف من عدسة واحدة فقط، وليس عيون مركبة مثل تلك الموجودة عند الذباب.
كما تفتقر هذه الأنواع من المفضليات إلى قرون استشعار.
تفضل معظم كلابيات القرون العيش على اليابسة، ولكن بالنظر إلى سجل الأحافير كان الكثير منها يعيش في الماء في العصور القديمة، ولم يتبقى منها الآن سوى عناكب البحر، وسرطانات حدوة الحصان.
أكبر صف في شعيبة كلابية القرون هو العنكبيات ويشمل العناكب والعقارب والقراد والعث.
وتمتلك هذه الكائنات ما يُسمى بالرأس الصدري؛ وهو عبارة عن وحدات الرأس مدمجة مع وحدة الصدر بالإضافة إلى ثمانية أرجل وبطن.
وتصنف معظم العنكبيات من آكلات اللحوم أو الطفيليات، وهي سريعة جداً.
الشعيبة الثانية: كثيرات الأرجل
وتشمل ألفية الأرجل ومئوية الأرجل، وبما أنها تنتمي إلى المفصليات فهي تمتلك خاصية التجزئة، ولكنها تتجزأ إلى أجزاء كثيرة.
تعيش جميع كثيرات الأرجل على اليابسة وتمتلك قرون استشعار وفكاً سفلياً مخيفاً.
تصنف ألفيات الأرجل من آكلات النباتات، وهناك احتمال أنها كانت من أوائل الكائنات التي عاشت على اليابسة التي كانت مغطاة بالطحالب والنباتات الوعائية البدائية.
تمتلك ألفيات الأرجل العديد من الأرجل، ولكنها لا تصل إلى الألف كما يشير اسمها.
فهي الواقع تمتلك ما بين ال 94 و 394 رجلاً اعتماداً على نوعها.
أما مئويات الأرجل؛ فاسمها أقرب للواقع، فهي تمتلك ما بين 20 و 350 رجلاً؛ وهي تصنف من آكلات اللحوم، وتمتلك مخالب سامة لشل فريستها.
فإذا أردتم لمس كثيرات الأرجل انصحكم باختيار ألفيات الأرجل؛ لأنها غير سامة.
الشعيبة الثالثة: سداسيات الأرجل
التي تشمل معظم الحشرات والتواسم المشترك فيما بين أنواع هذه الشعيبة هو أن أجسامها تتكون من رأس وصدر وبطن وزوجان من ثلاثة أرجل مفصلية، وتصلا بالصدر عيون مركبة وقرون استشعار.
حاولوا أن تتخيلوا أي ترتيب عشوائي لهذه المكونات، وعلى الأغلب ستحصلون على كائن موجود في الواقع.
فهناك عدد هائل من الحشرات ومنها ما هو غير مألوف بالنسبة لكم.
فعدد أنواع الحشرات يفوق عدد جميع أنواع الحيوانات الأخرى مجتمعة.
الشعيبة الرابعة: القشريات
تتضمن شعيبات القشريات سرطان البحر، وجراد البحر، والروبيان والبرنقيل.
وهي مثل الحشرات تتكون أجسامها من ثلاثة أجزاء وهي؛ الرأس والصدر والبطن إلا أن بعضها لديه رأس صدري مثل العناكب.
في حين أن معظم المفصليات تفضل العيش على اليابسة تعيش القشريات، وتطور لدى العديد منها خصائص مذهلة.
فعلى سبيل المثال؛ جراد البحر بأنواعه المختلفة لديه حوالي 19 زوج من الزوائد بعضها مخالب بعضها أجزاء تابعة للفم وبعضها أرجل للمشي.
بعض أنواع الروبيان تطور لديها خاصية الإشعاع الضوئي الحيوي، وهذه الخاصية هي من أكثر الخصائص الحيوية روعة.
معلومات عامة عن الحشرات
لم يتم التواصل إلى الكثير من المعلومات عن تطور الحشرات ولكن يعتقد العلماء أنهم انشقوا عن القشريات قبل حوالي 410 مليون سنة، ولعشرات الملايين من السنين كانت الحشرات وبعض اللافقاريات هي الحيوانات الوحيدة التي تعيش على اليابسة.
ومنذ حوالي 320 مليون سنة بفضل مستويات الأكسجين المرتفعة في الفترة الكربونية نمت بعض الحشرات وأصبح حجمها كبيراً بشكل مرعب مثل حشرة الميغانيورا التي كانت تًشبه اليعسوب، ولكن يبلغ طول جناحيها قدمين.
وبما أن حجم الحشرة يعتمد على جهازها التنفسي فمع انخفاض مستويات الأكسجين لم تتمكن هذه الحشرات الضخمة من الحصول على ما يكفي من الأكسجين للحفاظ على أجسامها الضخمة مما أدى لانقراضها.
الحدث الرئيسي التالي في تاريخ الحشرات وقع قبل حوالي 120 مليون سنه بتزامن مع تطور معظم النباتات المزهرة ومعها بدأت العلاقة التعاونية التي ما زالت تتشارك فيها الحشرات والنباتات المزهرة حتى يومنا هذا.
وفي الواقع تطور لدى بعض الحشرات والنباتات المزهرة استراتيجيات تلقيح فريدة من نوعها مما يعني أنها تطورت معاً.
ونتيجة لتلقيح الحشرات أصبحت النباتات المزهرة من أهم أنواع النباتات، وبالتالي؛ بفضل الحشرات أصبح عالمنا جميلاً وعطراً.
إن الحشرات هي المفصليات الوحيدة التي تطورت لديها القدرة على الطيران، وهذه خاصية مفيدة جداً بالنسبة لها.
وأجنحة الحشرات هي امتداد لجلدة الصدر وعلى عكس الطيور والخفافيش التي تضطر إلى تضطر إلى التضحية بسيقان المشي ليتطور لديها أجنحة فيمكن للحشرات المشي على الأرض بنفس فعالية طيرانها في السماء.
ولتُصبح الحشرات بالروعة التي نراها احتاجت لتطوير عملية مذهلة تُسمى التحول.
وفي عملية التحول الجزئي يكون شكل صغار الحشرة مماثلاً للحشرات البالغة من نفس النوع، ولكنها تخضع لسلسلة من عمليات الانسلاخ التي تسمح لها بالنمو، مما يعني أن شكلها يبقى كما هو طوال الوقت.
تمر معظم أنواع المفصليات بهذه العملية بما في ذلك الحشرات؛ مثل الجنادب والصراصير.
أما التحول الكامل فهو عملية تقتصر على بعض الحشرات وتسمح لها بتغيير شكلها بالكامل؛ حيث تتحول اليرقات إلى ذباب، وديدان الخنافس تتحول إلى خنفساء، وتتحول اليرقات إلى الفراشات تسمى صغار الحشرات يرقات.
يرقة الخنفساء وحيد القرن
تعيش هذه اليرقة بشكل طبيعي وتناول الغذاء إلى حين يأتي الوقت لبناء حافظة حول نفسها فتُسمى حينها بالشرنقة. كما أنها مخيفة جداً.
وعندما تخرج من الشرنقة يكتمل نموها.
تكون خنفساء وحيد القرن لينة في البداية وتزداد صلابة الكيتين عند نموها.
فالحشرات هي كائنات مذهلة ولكنها لا تتفوق على القشريات أي حشرة البحر.