لقد كان شهر رمضان، ومازال، رمزًا للخير الكثير، والغنائم الوافرة، والرحمة التي تتنزل في القلوب، ذلك منذ قديم العصور، منذ فرض الصيام في شهر رمضان، كان هو معين القلوب على الانتصار، الانتصار على النفس، والانتصار على أعداء الله، شهر رمضان ارتبط في حياة المسلمين بكثير من الذكريات، التي تدل على رحمة الله بالعباد، وحبه الشديد لهم، في قديم العصور كان شهر رمضان رمزًا من رموز الإسلام، فيه تسكت كل الأصوات وترتفع أصوات المسلمين بتلاوة القرآن، والذكر الحكيم، وتركع الأفئدة أمام عظمة الله، محبة فيه وخشوعًا له، وطمعًا في جنته التي أعدها للصائمين.
عادات شهر رمضان
- ارتبط شهر رمضان بالكثير من العادات التي ابتدعها الناس منذ قديم العصور، وهي إن دلت لا تدل إلا على البهجة التي يضفيها هذا الشهر الكريم على النفوس، والخير الذي يهبهم إياها من عند الله، فالناس منذ مجيء شهر رمضان لا تفتأ تستشعر في قلوبها الرحمة، والبركة التي جاء بها هذا الشهر الكريم، فيعدون من مظاهر ما يدل على بهجتهم وحفاوتهم بهذا الشهر.
- شهر ارتبط اسمه بالمغفرة الدائمة، والجنة التي لا تغلق أبوابها، والعتق من النار، وباب الجنة الذي لا يدخل منه سوى الصائمين، والشياطين التي لا نعرف لها مكانًا في القلوب.
- شهر ارتبط اسمه بالقلوب الخاشعة الوجلة، والأصوات المتحلية بقراءة القرآن الكريم، وقيام الليل وما يحدثه في النفوس من طهارة وهدوء وسكينة.
كل تلك الأمور كانت متعلقة بمجيء الشهر الكريم، لكن الواقع، وإن لم تتغير العادات في شهر رمضان التي دأب عليها الناس، إلا أنه قد تغير كثيرًا في القلوب عما كان عليه آنفًا، فمع تطور الحياة والتكنولوجيا وارتباط الناس بالدنيا أكثر، أصبحت النفوس ضعيفة أمامها، ولا تطيق فراقها.
واقرأ: كيف يكون الاستعداد لشهر رمضان المبارك
مظاهر الاحتفاء بشهر رمضان
- إن مظاهر الاحتفاء بشهر رمضان لم تتغير كثيرًا، فالناس هم بنفسهم من يعلقون الزينة، والفوانيس، ويبتاعون المنتجات الرمضانية التي تتفتح لها الشهية في رمضان، والفوانيس لأطفالهم، وينصبون موائد الرحمن للفقراء، عطفًا ورحمة بهم، ولا تنقطع الصدقات في هذا الشهر الكريم، بل تزيد خفية وعلنًا، وتمتلئ الشوارع بمظاهر وجود رمضان، والأجواء الرمضانية الساحرة، خاصة في المناطق التي تعبق بالآثار الإسلامية.
- والأسر تستعد لشهر رمضان بمزيج من البهجة والحفاوة، فتعد نفسها له، ولا تنتهي العزائم التي يكون أساسها وصل الأرحام التي قطعوها في الأيام السابقة، والتفاف العائلة حول بعضهم البعض، ويلتئم شملهم من جديد بعدما كان كل شخص من الأسرة في واد آخر عن الثاني.
- والمساجد التي تظل عامرة بالناس، يرتلون فيها القرآن، ويصلون في تبتل وخشوع، ويمتلئ قلوبهم بالسكينة والطمأنينة.
- كل تلك المظاهر من الواقع الرمضاني، وهي مظاهر إيجابية لا يخلو منها شهر رمضان، ولكن عند النظر إلى المظاهر السلبية فإننا نرى الكثير منها التي تخللت حياة الناس، وأضفت أشياء غير مستحبة عليهم، وغلفت حياتهم ولا أمل من تغييرها.
- كان استقبال شهر رمضان في العصور القديمة يبدأ برؤية الهلال، وفرح الناس بظهوره، وإعلانهم الصيام في اليوم التالي، لكن في العصر الحديث الآن، أصبح أول ما يستقبل شهر رمضان هو الإعلام.
- أصبحت نتائج التقويم تحدد مجيء شهر رمضان، فيستعد الإعلام بمسلسلاتهم، وبرامجهم الرمضانية، مستغلين أن أشغال الآباء والأمهات تكون قليلة، والأسر تكون موجودة أكثر الوقت في البيوت، ويعرضون أعمالهم بكل ما فيها من الذنوب التي قد تشوب القلوب، وتبعدها عن الغاية الأساسية من شهر رمضان، تلك المسلسلات لا تخلو من مشاهد العري والألفاظ التي لا تلائم حضور هذا الشهر الكريم، فلا يكون من الناس سوى التكاسل، المصحوب بالحجج الكثيرة، لكي يتابعوا مثل هذه الأعمال التليفزيونية، ولا يلتفتوا إلى طاعة الله الواجبة عليهم أكثر من الأيام الأخرى، بل ينشغلوا بتلك الأعمال عن العبادة، وذلك مخيب بشكل كبير للآمال التي جاء بها الشهر الكريم.
- تلك البرامج التليفزيونية والمسلسلات تلهينا عن أمور كثيرة، أبرزها الأوقات المستحبة للدعاء، فالمسلم عندما يحين موعد الإفطار يستقبله بالدعاء، هذه الساعة هي ساعة استجابة، ولكن بدلًا من ذلك يستعجل التليفزيون حتى لا يفوت العمل التليفزيوني الذي يسليه أثناء الإفطار.
- من المظاهر السلبية أيضًا في شهر رمضان، هو الإقبال على الإفطار بالإسراف الشديد حتى تمتلئ البطون على أشدها، وحين ينتهي الإفطار يجد المرء نفسه وقد امتلأت معدته، وسُحب الدم من دماغه، قد نام في مكانه، ويتكاسل عن أداء صلاة المغرب، وإن تغلب على نفسه وأداها، لا يؤديها في خشوع، بل لمجرد أداء الفضيلة، غير أنه يتكاسل، بالتأكيد، عن صلاة التراويح، ويترك ثوابها العظيم.
- في العشر الأواخر من شهر رمضان، يجب على الصائمين أن يكثفوا عبادتهم، وإقبالهم على الله بكل قلوبهم، لتعويض ما فاتهم في العشرين يومًا السابقين من شهر رمضان، وأيضًا من أجل أن يحظوا بالخير الوفير في العشر الأواخر من شهر رمضان، لكن بدلًا من ذلك نراهم ينشغلون في الأسواق، استعدادًا لمجيء العيد، ينشغلون بشراء الملابس الجديدة لأطفالهم، وغيرها من الأمور التي تشغلهم عن أداء العبادات بشكل واجب في مثل هذه الأيام المباركة.
- ومن الظواهر السلبية التي نشاهدها في شهر رمضان، إطلاق الأطفال في الشوارع، لعدم تحمل الأهالي متاعبهم، فيندفعون في المساجد يلهون فيها، ويخرجون الناس عن خشوعهم في الصلاة، والأهالي غير عابئين بشيء.
- ومنها أيضًا، استغلال بعض الشباب الليل في التجمع على المقاهي، حتى ينفردون بالسهرة الرمضانية في اللهو والاجتماع حول طاولة واحدة، تلك الطاولة التي لا يجتمعون حولها إلا في رمضان، نظرًا لمجيئهم من أعمالهم مبكرًا عن الأيام الأخرى، وهم بذلك ينشغلون عن استغلال الليل في التراويح، بما فيه من الثواب ومغفرة الذنوب، غير أنهم يطلقون ألسنتهم بالمزاح الذي لا يليق، وأبصارهم على ما حرمه الله، وأمرهم أن يغضوا بصرهم عنه.
- ولا أغفل أن أشير إلى الأشخاص الذين يقضون الأيام الأولى من شهر رمضان في العبادة والطاعة كما يجب أن تكون، متحمسين للتوبة، والأمل الجديد الذي يطل عليهم في هذا الشهر من العام، ومع دخول ذروة شهر رمضان يتقاعسون عن العبادة، ويتكاسلون عن أداء الصلوات بتروٍ وخشوع، ويتلون من القرآن القليل فقط، حتى ينقطعوا في منتصف رمضان عن العبادة وتعود حياتهم كما كانت في الأيام الأخرى، وذلك لا يدل إلا على قصور استعدادهم لمجيء الشهر الكريم.
- إن شهر رمضان شهر الطاعة والعبادة، فُرض فيه الصيام على المسلمين حتى يهذبهم الصيام، ويطهر نفوسهم وأرواحهم مما يشوبها، ويكون صفحة بيضاء يكتبون فيها توبتهم النصوح، فيجب عليهم أن يستقبلوه بالروح الوادعة المستعدة للطاعة، والتوبة، والطموح في الظفر بالجنة التي وعد الله بها، ومغفرة الذنوب كلها، وليس الطموح في انهاء المسلسل المشوق، أو البرنامج المضحك، أو اجتماع الأصدقاء.
- شهر رمضان شهر قراءة القرآن، وتدارسه وتدبره، وإفناء الوقت في إدراك عظمة الله فيه، واستغلال أوقاته في التقرب إلى الله بالصلاة الخاشعة الخاضعة، المغلفة بالنية الخالصة الصادقة، والذي لا ينقطع فيه الذكر عن اللسان أو القلب، لذلك من المشين أن نقضي الشهر الكريم، الذي خصه الله بعظيم الفضائل دون غيره من الشهور، في الأمور التي تشغلنا عن استغلال وقته في العبادة الخالصة والأعمال الصالحة.