العام الجديد
تتوالى الأيام وتتعاقب الأعوام، ونحن ضيوف على هذه الحياة، أحيانا تحن إلينا وتكرمنا، وتأتي وفقا لرغباتنا وقد يحدث معنا غير ذلك، ونحن في كل الأحوال لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نملك تغيير ما لا يعجبنا، ولا تحقيق ما يرضينا إلا بقدر ما منحنا الله من الصلاحيات ويسر لنا من الأمور، وفي كل حال لا ينبغي أن نقول إلا الحمد لله.
الحمد لله
فالحمد لله كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان، ترضي الرحمن ويطمئن لها قلب الإنسان، فالحمد لله يعني الرضا بما قدر لنا واليقين بأنه دائما خير وبركة، واتمام الخضوع له والتسليم المطلق لما يريد لنا، فنحن نقول الحمد لله حتى وإن بدا لنا غير ما نتمناه، أو بدا لنا أن ما يحدث لنا فيه شر، فهذه الكلمة تريح النفس وتهدئ من روعها.
الآن ونحن نقف بنهاية عام منصرم وبداية عام قادم، لم لا نتمرّد على حالة النقم والسخط التي تنتابنا دائماً، لم نغير طريقتنا في التفاعل مع ما يجد علينا من أقدار الله عز وجل، لما لا نبدأ عامنا بكلمة تريح نفوسنا وتجعلنا نسعد ونطمئن لما كتبه الله لنا، كلمة تصالح مع كل ما في اقعنا من أمور لا يمكننا تغييرها، أو استبدالها، ألا وهي الحمد لله.
الحمد لله على ما كان وعلى ما لم يكون، والحمد لله على ما سيكون، والحمد لله عدد الحركات والسكون، الحمد لله على كل قدرا وإن كان ظاهره العذاب فحتما في باطنه الرحمة والخير، الحمد لله ربنا على ما أعطى وما منع! والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، الحمد لله حتى يبلغ الحمد منتهاه.
الحمد لله هي أجمل البدايات لعامنا القادم، الحمد لله هي خير وداع لعامنا الماضي، والحمد لله هي جواز السفر إلى عوالم الرضا والطمأنينة والسكينة والتسليم.
اجعل لسانك رطباً بحمد الله، وابدأ مع بدابة العام الجديد
إن من بيننا قلوب كثيرة غافلة وقاسية، كثرت عليها الشدائد وتوالت عليها الابتلاءات والاختبارات فزادتها قسوة وغفلة، لا يحمدون الله أبدا ولا يسلمون بقضائه، دائما هم في حالة سخط ونقم على أقدارهم وارزاقهم، لا يعجبهم حالهم ولا يرضيهم ما قسم لهم، فلا تكف ألسنتهم عن الاعتراض أو التأفف وإظهار الضيق والحنق، فتزداد أحوالهم سوءا وتتضاعف متاعبهم، وتغلق أبواب الفرج في وجوههم، فلا نريد أن نكون منهم أبداً.
لذلك أوصي نفسي وأوصيك عزيزي القارئ بأن توطن نفسك على عادة طيبة، وعبادة خفيفة ولكنها عظيمة الفضل، مع بداية العام الذي أوشك على الحلول قل الحمد لله، انوي أن تجعل الحمد عادة وعبادة، وان تستبدل كلمات السخط والحنق الضيق بكلمة واحدة (الحمد لله)، عود لسانك على تلك الكلمة في السراء الضراء، في السعة والضيق، وفي الرخاء والشدة.
سل نفسك هل كلمات السخط والحنق والاعتراض على حالك نفعتك ذات يوم؟ أم هل غيرت من حالك إلى الأفضل؟ أو خففت من وطأة ما تعانيه؟ بالطبع لا. بل بالعكس أن تلك الكلمات وهذه الحالة من الرفض تزيد الأمور تعقيدا، وتصعب عليك مهمة التكيف مع الأوضاع، وتجعلك عاجزا عن رؤية أي طريقة لحل مشكلاتك، أو الخروج من عنق الزجاجة، كما تعمي عينيك عن استقبال أي بارقة أمل، قد تكون واضحة وميسرة.
الجزع وعدم الصبر يجعلك تستشعر ألم المعاناة بعمق أكثر وشدة أكبر، وكلمة الحمد لله هي الحل والمسكن الفعال لما تشعر به، فتعاطاها في كل أحوالك، ليعلم الله رضاك ويمدك بمدد من الرحمة والتيسير.
قم الآن واكتب كل ما تعاني منه من الضغوط والمتاعب في ورقة، هل تعاني من مشكلة واحدة تنغص حياتك؟ أم ثنين؟ أم ثلاثة؟ أم أربعة؟ أم خمسة؟ خذ ورقة ثانية واكتب فيها نعم الله عليك، حاول أن تحصيها، اكتب كل نعمة وما تنطوي عليه من مئات النعم، فهل تعتقد أن تكفيك ورقة واحدة؟ أو اثنين؟ أو ثلاث؟ أو أربع؟ أو خمس ورقات، فوالله لا تكفيك الأوراق وإن كثرت ولن تحصي نعم الله وإن حرصت، فإن تعدو نعمت الله لا تحصوها.
من الآن روض نفسك فكلما ذكرتك بوجع أو قصور أو مشكلة لديك ذكرها بمئات النعم التي أنعم الله بها عليك، وقل الحمد لله. اجعل شعارك الذي لا يخيب أبدا لهذا العام: الحمد لله دائما وأبدأ!