خلق الله الإنسان وبين جنبيه نفس تصارعه ما بين الميل للخير وحب الفضيلة وبين الميل للشر وما يترتب عليه، فيحيا بين نفسه ورغباتها وضميره وقيمه معذبا، وفي حالة اختبار دائمة لا تنفك عنه حتى يحين أجله، والعصبية وإشباع رغبة الإنسان في أخذ حقه والانتقام ممن يظلمه ورد الإساءة بضعفها هو تجسيد لتلك الرغبات واشباع لحظي لها، أما كظم الغيظ والعفو والتجاوز عن الإساءة فهو درب من القيم العليا والفضائل التي لا يسهل الأخذ بها إلا على من أتاه الله القوة على ذلك، ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم!!
ونحن في هذا المقال سوف نتناول فضيلة هي قوام كل فضيلة، وخلق هو في الأصل منشأ الأخلاق ودعامتها وهو خلق الحلم، الذي مدحه الله، والذي هو صفة من صفات الله عز وجل، فهو الحليم على عباده، يمهل ويغفر ويعفو ويتجاوز وينذر الناس مرة ومرة، حتى يغضب فإذا غضب غضبة تتبدل السماوات والأرض وينزل بالخلق بلاء لا قبل لهم به، فالحلم هو عكس الغضب، وكما أن الحلم سيد الأخلاق فالغضب سيد الأخطاء والزلات وهو سبب النكبات والويلات التي يجلبها الإنسان على نفسه وعلى غيره، وسنبين هنا دعة النبي –صلى الله عليه وسلم- للحلم، ونهيه عن الغضب، وبيان فضل الحلم وثماره الطيبة.
معنى الحلم وحض الإسلام على التخلق به
الحلم كلمة تجمع بين ثناياها معاني ضبط النفس، وإمساكها عن طاعة الغضب، والاستسلام لثورته، والصبر وعدم الاستعجال وضبط الانفعال قدر الإمكان، ومنه كظم الغيظ وامتلاك النفس عند الغضب.
وقد حث الإسلام على خلق الحلم والتحلم، والتطبع به لما له من فضل كبير وأثر طيب في تحديد سلوكيات الإنسان والسيطرة عليها، وعدم الانسياق وراء دواعي الغضب والغيظ والانفعال، وقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة فيا يتعلق بالحلم والعفو عند المقدرة، فقد كان -عليه الصلاة وأزكى السلام- حليما حتى في اللحظات الحرجة التي واجه فيها من القسوة والظلم ما يخرج أي انسان عن شعوره، لكنه المعصوم ذو الخلق العظيم، ومن الوصايا التي أوصى بها النبي –عليه الصلاة والسلام- من جاء يطلب منه الوصية أن قال له: (لا تغضب) فلما طلب منه مزيدا من النصح قال له (لا تغضب) وكرر ذلك ثلاث مرات، وفي هذا ما فيه من الدلالة على أهمية الحلم والحرص على الالتزام به قدر الاستطاعة!
ولا عجب فالغضب جمرة في قلب الإنسان تدفعه إلى قول أي شيء وفي أي وقت ، تعمي نظره عن خطورة ما يتكلم به أو ما يفعله، لأنه ببساطة في لحظات الغضب يغيب العقل ويسيطر الشيطان على سلوك الإنسان، ويقوده إلى حيث يريد له من الندم والحسرة وسوء العواقب.
ومن أقوال النبي في هذا الصدد ما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) متفق عليه.
ثمار الحلم وفضله
إن التزام الإنسان بالحلم ومحاولة السيطرة على ثورته وكبح جماح غضبه، لهه ثمار طيبة يجنيها عاجلا غير آجل ويتمتع بطيبها في حياته، ومن ذلك ما يلي:
الحليم يملك نفسه ولا يسمح لها أن تملكه، فهو يدرس أفعاله جيدا ويعرف ما يخرج من فمه من كلمات، فقلما يقع في الخطأ أو يمكن أحدا منه.
الإنسان الحليم يستطيع أن يأخذ حقه ويفرض حجته على الجميع، أما الأهوج الطائش فلا يستطيع الدفاع عن موقفه لأنه غالبا، يضيع حقه بانفعاله وثورته.
الحلم يجعل صاحبه يأمن سوء العواقب، فالغضب والثرثرة والانفعال قد يفسد على الناس علاقاتهم، ويخرب البيوت العامرة، ويوغر الصدور ويغلق أبواب التفاهم.
الحلم من الصفات التي يتميز بها الكرام والحكماء والذين يتمتعون براجحة العقل وقوة الفكر، فهم يمتلكون أنفسهم حتى وإن وجهت إليهم إساءة أو تجاوز أحد في الحديث معهم، وينظرون إلى الامور بمضوعية ومرونة ومن ثم يخرجون من كل معاركهم منتصرين، أو في أضعف الإيمان يخرجون بأقل الخسائر، في حين يدفع الثائرون ثمن ثورتهم وأحيانا يكون الثمن باهظا جدا!!
وأخيرا أخي المسلم أختي المسلم، حاولوا أن تسيطروا على غضبكم فوالله إن الغضب يوصل إلى عواقب وخيمة قد تفوق تصوركم، فتندمون وتنهش الحسرة قلوبكم يوم لا يجدي الندم!!!