للآباء الحق في أن يطمحوا في توفير أفضل تعليم ممكن لأبنائهم فهم -أي الآباء- تخرجوا من المدارس الحكومية وارتطموا بحاجز اللغة في سوق عمل لا يقبل من لا يملك اللغة، واضطروا حتما للتردد على معاهد تزعم تعليم اللغة الإنجليزية والسفر لتعلمها.. سلسلة شاقة وطويلة.
في ذاكرة الأب السعودي والعربي عموما المدرسة تعني تعلما مملا، وقائمة طويلة من الممنوعات، ومدرسين في أيديهم عصا وحقائب ممتلئة بكتب لا تحوي أي صور أو ألوانا تشد الانتباه، وأيام دراسية طويلة خالية من كل شيء جميل إلا من انتظار العطلة التي تلي العطلة.
يحرص الأب السعودي على عدم تكرار ما حدث له، ويحرص أن يجيد أطفاله اللغة الإنجليزية تماما كالناطقين بها، ويفرح لذلك بسطحية مفرطة فاللغة الإنجليزية = الحلم السعودي. وفي المدارس العالمية أو مدارس اللغات سيجد اللغة بالإضافة إلى الكتب الملونة والتعليم الممتع والمرايل الجميلة.
ولأن الطفل يقضي بالمدرسة أكثر مما يقضيه بالمنزل فالثماني ساعات في المدرسة يكون فيها مستيقظا منتبها يتعلم ويلعب. أما بقية ساعات اليوم فنصفها سيكون نائما ما يعني أنه لن يتبقى سوى ست ساعات فقط مستيقظا، ونعلم حتما أن سنوات العمر الأولى يكتسب الإنسان فيها القيم والدين، يقول الإمام الغزالي «إن قلب الطفل فارغ، صاف، له ميل فطري لتلقي كل شيء، والميل إلى كل شيء».
ما الذي سيترتب على وضع طفل في بيئة تعلمه كل شيء سوى الهوية، أن يتعلم الطفل السعودي التحدث والتصرف والتفكير كأمريكي لكنه ما زال يعيش في بيئة عربية ومسلمة بالتالي فهو ليس أمريكيا محضا لكنه سعودي متشرب بالقيم الأمريكية حتى وإن أنشد «سارعي» كل صباح.
يظن الأب أنه يقدم لابنه أفضل تعليم لكنه لا يعلم أن التعليم كل لا يتجزأ، وأن التعلم في المرحلة الابتدائية المبكرة بالذات ليس تعلما للقراءة والكتابة والحساب والعلوم فحسب، ولو عاد بالذاكرة سيفهم ذلك حتما، وأنا حقيقة أشفق على الطفل الذي يتلقى تعليما مغايرا عن بيئته، كمن يدرس تاريخ الإغريق والرومان، كما يحصل في بعض المدارس الأجنبية الآن، دون أن يدرس تاريخ أرضه، فيكبر بين بحرين بينهما برزخ لا يبغيان، هو نفسه لا يعلم إلى أيهما ينتمي؟ هل أصعب من ألا يكون للإنسان هوية؟
هنا تظهر مسؤولية الآباء، الذين أدخلوا أبناءهم لمدارس أجنبية قسرا بسبب ما توفره من تعليم أفضل وخاصة آلاف المبتعثين الذين يضطرون إلى تنشئة أبنائهم في الخارج.
التحدي هو أن يحاولوا عدم فصل أبنائهم عن مجتمعهم الصغير في المدرسة وفي الوقت نفسه عدم فصلهم عن مجتمعهم الحقيقي «أعني الأسرة الكبيرة والأقارب»، وتمكينهم من تعلم اللغة الإنجليزية الضرورية وفي الوقت ذاته ضرورة أن تكون اللغة العربية لأطفالهم لغة أولى يتمكنون منها تمام التمكن «لأن اللغة التي يتعلمها الطفل ويتمكن منها أكثر من غيرها ستكون لغته الأولى مهما تعلم بعدها من لغات»، وغرس العقيدة الإسلامية فيهم مع تربيتهم على عدم ازدرائهم لمن لا يدين بهذا الدين.
بالدين واللغة تكون الهوية بما تنطوي عليه من قيم وثقافة وتاريخ وتقاليد محمودة، وهذا تحد بلا شك صعب وصعب جدا. وتحقيق معادلة متوازنة بين تعليم جيد وهوية متأصلة قد لا يكون أمرا يسيرا لكنه ليس مستحيلا إن وجد الوعي، وهذا كله كي لا تضيع الأمانة.
بقلم: آلاء
وهنا: مقال عن اللغة العربية «المنسيَّة»
وكذلك -أيضًا-: الفرق بين المدنية والتحضُّر