وبينما نحن سائرون في دروب الحياة نرى من العجائب ما يذهل، ومن الأخطاء ما يثير الحنق والضيق ، ومع العلم أننا كلنا خطايا أننا مقصرون في حقوق الله وحقوق أنفسنا علينا، إلا أن رؤية بعض أحبتنا يقعون في ذنب أو يقبلون على معصية، يثير حفيظتنا فنجد أنفسنا مدفوعين بدافع الحب والخوف عليهم إلى النصيحة التي تنقذهم وتأخذ بأيديهم!
بعض الناس يحرص كل الحرص على اسداء النصح والدعوة إلى الله، ويعنيه أن يأخذ بأيدي الناس إلى طريق الله لكن ينقصه معرفة الطريقة الصحيحة لذلك، فنراه يدع ولا يستجيب له أحد، يقبل على الناس فينفرون منه، يخاف عليهم ولكنهم يخافون منه ولا يتبعون نصحه، وهنا يجب أن يتوقف هذا الإنسان ويبحث عن السبب.
وغالبا ما يكون السبب في ذلك أن الإنسان يفتقد أدوات الدعوة إلى الله ولا يعرف المداخل المناسبة لمن يدعوه، وقد تكون نصيحته مغلفة بما يصد الناس عنها ويثنيهم عن اتباعها، وهنا سوف نتناول بالتوضيح مفهوم الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ونأخذ نموذجا من الأساليب التي اتبعها النبي في الدعوة إلى الله، والتي يتبعها الدعاة الناجحون المؤثرون الذين يهدي بهم الله من يشاء من عباده، فيكونون كالنور لمن يسترشد بهم ويهتدي بهداهم ويقتدي بخطاهم.
الحكمة والموعظة الحسنة أقصر الطرق للإقناع
لكل إنسان ما يناسبه من المداخل، وما يستميله من أصناف الكلام وطرق الدعوة، فمنهم من يجدي معه الترغيب والحديث عن الأجر والحسنات والجزاء الأوفر من نعيم الدنيا والآخرة، فكلما لمست هذا الجانب رأيت منه لينا ومرونة وقدرة على الاستيعاب ورغبة كبيرة في تنفيذ ما تدع إليه.
وهناك نمط على النقيض تماما لا يغريه حسن الثواب ولا عظيم الأجر ولا تثنيه الأمنيات الطيبة التي وعد بها المتقون، ولكن يردعه الخوف من العواقب وسوء المنقلب، ويثنيه عن الاستمرار في أعماله الخوف من عذاب الله وسخطه.
وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم يعرف بذكائه في الدعوة وقدرته الكبيرة على النصح والإقناع، وأنه يخاطب كل امرئ على قدر عقله، ويقنعه بالمنطق الذي يناسبه، يعرف لكل شخص المدخل المناسب له، يؤلف قلوب أعداء الدعوة كل بما يليق به ويلمس رغبته ويصادف هواه.
من أساليب النبي عند النصح لأصحابه
كان النبي إذا رأى خطأ في عبادة أو عادة أو غيرها يلفت نظر أصحابه إليه، بطريقة غير مباشرة، لا تحرج الشخص ولا تعرف حتى من حوله بانه المقصود بالنصيحة ومن ذلك ما فعله عندما وصل إليه أن بعض المصلين يرفعون وجوههم إلى السماء وهم يدعون في الصلاة، فقال –صلى الله عليه وسلم-: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ )، وقد استخدم النبي تعبير (ما بال أقوام) في أكثر من موقف حين يريد لفت النظر أو تصحيح الخطأ دون ذكر أسماء أو تحديد أشخاص.
وكان النبي يتمتع بالرفق في كل مواقفه وينصح بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يعرف في توجيهه بالغلظة أو العنف أبدا ومن ذلك أن أحد الأعراب بال في المسجد فأوشك الحاضرون أن يفتكوا به غضبا مما فعل، بينما لم يكن من النبي إلا أن دعاه وقال لَهُ: “إِنَّ هذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ الله – عزّ وجل -، وَالصَّلاَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ”.
كيف تسدي نصيحتك للمسلمين؟
تجنب التهويل، وتجنب التهوين، فكلاهما خطر وأثره سلبي على تقبل الآخرين للنصيحة وقوة تأثيرها.
لا تكثر من النقد اللاذع ولا تبالغ في اللوم والعتاب فإن المذنب إذا أغلقت في وجهه أسباب الرجوع عن ذنبه، واشتد التأنيب له قد ينقلب على عقبيه، ويستبد به الغرور فيغلق آذانه عن سماع أي شيء.
يجب أن لا ينتهج الداعي إلى الله منهجا واحدا فقط في دعوته، فمثلا من الدعاة من ينتهج منهج التخويف والإنذار طول الوقت ومع كل الناس، وهذا لعمري خطأ جسيم وقصور كبير، فالتخويف يناسب البعض ويؤثر فيه تأثير إيجابيا لكنه لا يناسب الجميع، ومن الناس من يجعله الترهيب يجزع ويقنط من رحمة الله، فيكره حت محاولة الرجوع إلى الطريق المستقيم، لأن الصورة في عينيه ضبابية لا تعطي أي أمل.
نفس الأمر بالنسبة لمن ينتهج الترغيب طوال الوقت، فهو يعشم الناس برحمة الله ومغفرته، وقد يهون في نظرهم الذنب دون أن يدري، فيكون رد فعلهم أن لا يقدروا الأمور حق قدرها ولا يزنوا ذنوبهم بالميزان الذي تستحقه.