ليس من المنطقي أن نتحدث عن السياحة وأنواعها وأهم المدن السياحية، ومعالمها وما يتعلق بها من مقومات ومتطلبات وخدمات دون أن نتطرق للحديث عن أروع وأجل وأقدس الرحلات السياحية التي عرفها البشر، تلك الرحلة السنوية التي لا ولن تنقطع أبدا مهما طرأ من ظروف أو تغيرت الأوضاع فهي بقدسيتها بمنأى عن كل ما يحدث في هذا العالم من العبث، عن رحلة الحج وتفاصيلها أتحدث.
الأماكن تخضع لقانون التفاضل والاختلاف، فكما فضل الله الناس بعضهم على بعض وفضل الأيام والأشهر بعضها على بعض كذلك فضل بعض الأماكن على بعض وميز بعضها بمزايا خاصة ومكانة خاصة كذلك، من هذه الأماكن بل على رأس الأماكن التي فضلها الله على كافة بقاع الأرض مكة المكرمة، والتي شرفها الله ببناء بيته المحرم الذي يقع في أكثر البقاع قدسية وكرامة.
رحلة الحج
ونتناول هنا رحلة الحج ومن أين تبدأ وإلى أين تنتهي، وأهم المناطق التي يأمها الحجيج في تلك الرحلة الروحانية التي يخرج منها الحاج كيوم ولدته أمه، وقد وضع عن كاهله ذنوبا أثقلته وسيئات عرقلت مسيرته، وليتخلص من همومه وأوجاعه وأعباء الحياة التي انهكته، في محاولة جادة وناجحة تماما لاستعادة نفسه وجمع شتاته والبدء من جديد.
تبدأ رحلة الحج من المواقيت المكانية والتي تختلف باختلاف البلاد، وهي ذو الحليفة لأهل المدينة وقرن المنازل لأهل نجد ويلملم لأهل اليمن والجحفة لأهل الشام حيث تبدأ مناسك الحج بالإحرام ومن بعدها الوضوء والاغتسال لدخول البيت الحرام، أشرف بقاع الأرض قاطبة.
مناسك الحج
بمجرد دخول الحاج البيت الحرام يبدأ في الطواف بالكعبة المكرمة سبع أشواط بدءاً من الحجر الأسود، ثم يأتي النسك التالي وهو السعي بين جبلين كبيرين يوجدان بمكة المكرمة وهما الصفا والمروة اقتداء بالسيدة هاجر عليها السلام.
ومن بعد السعي بين جبلي الصفا والمروة، يتوجه الحاج إلى منى وهي منطقة تبعد عن مكة المكرمة بما يقرب من ثلاثة أميال، حيث يقومون بنسك رمي الجمرات بعد طواف القدوم، ثم ينطلقون إلى جبل عرفة في مشهد مهيب، يباهي الله به ملائكته، ويتوجهون بعد الوقوف بعرفة إلى المزدلفة، والمزدلفة واد يقع بين جبل عرفة ومنطقة منى في ليلة 10 ذو الحجة، ثم يختتم الحاج رحلته المباركة بالتوجه إلى منى لرمي جمرة العقبة والتي تقع بالقرب من مسجد الحيف، ثم النحر والحلق والعودة إلى مكة المكرمة للقيام بطواف الوداع.
مميزات رحلة الحج
تتميز رحلة الحج عن سائر رحلات السياحة التي تحدث في العالم كل يوم، بأنها فرض على كل ذي قدرة وشرف لكل من وهبت له، فالأماكن لا تنسى والمشاعر التي تصاحب الرحلة تترك وراءها قلبا صافيا خاشعا بصيرا، فهناك تنكشف عن القلب حجب الشهوات والمعاصي ليرى ويسمع ويتزوق من حلاوة هذا الدين ما يستعصي على النسيان، فهنيئا لمن قدر له القيام بتلك الرحلة السياحية الخاصة والخالدة المخلدة بأمر الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.