«الحائرة» تسأل: تقدم لي شاب يبلغ من العمر 28 عاماً، حاصل على دبلوم صناعي، يعمل في وظيفة حسنة بإحدى الشركات الكبرى؛ حيث بدأ بها كموظف أمن، ولحسن حظِّه وإخلاصه في العمل، وحسن أخلاقه وصل بها إلى وظيفة بالعلاقات العامة يحلم بها كثير من خريجي الجامعات بمرتب كبير، وهذا رغم مؤهله المتوسط، وهو من أسرة المستوى الاجتماعي والتعليمي والمادي فيها منخفض؛ حيث إن أحد إخوانه شريك في كافتيريا، والآخر صاحب محل كوافير رجالي، وزوج الأخت موظف بسيط بمؤهل “دبلوم”، والأب -رحمه الله- كان لبَّان (أي كان يبيع اللبن)، وأمه كانت تعمل بوظيفة تشبه وظيفة “الساعي” في شركة أدوية، لكنهم ناس على درجة كبير جيداً من التدين والأخلاق، لكنه يُعتبر أحسن إخوته كهيكل وظيفي واجتماعي، وهو على درجة كبيرة من الوسامة والمظهر وأسلوب الكلام، ويدل على أنه من أسرة عريقة، وهو مثقف إلى حد ما، وهو شخص محبوب من كافة الناس ومهذب، وهذا ليس رأيي أنا فقط فيه، ولكنه رأي جميع من يتعامل معه، وهو لا ينكر شيئا عن حقيقته أو ظروفه.
تقدم هذا الشاب لي، وأنا على دراية كاملة بكافة ظروفه، وأعرف أن أهلي لن يوافقوا عليه للفارق في المستوى التعليمي؛ حيث إنني حاصلة على بكالوريوس من إحدى الجامعات، والفارق في المستوى الاجتماعي؛ حيث إن أبي يعمل ضابطا بالجيش، برتبة “لواء”، وأمي من أسرة كبيرة يعمل والدها ضابطا بالطيران، والخال والخالة على مستوى اجتماعي وتعليمي وثقافي كبير، تقدم لي هذا الشاب، وطبعا حصل على رفض الجميع، مع اقتناعي برأيهم، لكن حب هذا الشخص لي وصدق مشاعره كانت تجول بتفكيري بين ظروفه ومشاعري، وحيث إنني كنت أحس أنني السبب في تقربه لي لدخوله بيتي عن طريقي، وأنا أعلم أنه سوف يُرفض فأحسست بالذنب، وساءت نفسيته بعد رفض أهلي له؛ لفقده الثقة في نفسه، وطلب مني أن أستمر معه لحين أن يحسن من نفسيته، رفضت في بادئ الأمر؛ لأنني لم أمرّ بهذه التجربة من قبل، واحتراما لرأي والديّ، لكن لم أعرف لماذا وافقت بعد ذلك رغم أن إحساسي به كان في بادئ الأمر مجرد إعجاب، وليس حبا.
المهم أن العلاقة استمرت بيننا، وفى هذا الفترة استمر في تكملة تعليمه بدخوله إحدى الجامعات، وباع الشقة، واشترى بالتقسيط شقة في مكان أحسن، وكان معه عربة الشركة، بعد أخذها منه -لحسن حظه- اشترى عربة، ولكنها قديمة بالتقسيط، وأنهى أقساطها، وأخذ كورسات في اللغات والكمبيوتر مع استمراره فيها، وبهذا فقد عالج إلى حد ما مشكلة التعليم والثقافة والسكن في مكان محترم، ومعه عربة؛ أي معه متطلبات العريس المناسب، ومرتبه كبير إلى حد ما، ويبقى فقط الآن مشكلة الفارق الاجتماعي الكبير؛ فهي تعتبر مشكلة صغيرة لو عرفت حبه الكبير، وإخلاصه المتناهي لي في زمن ليس به أشخاص كهذا، وإحساسه الذي لا أعرف أن أصفه لك؛ لأنه الحب الحقيقي والصادق الذي لا يوصف بالكلام؛ حيث أتمنى أن تسمع بنفسك ما يقول لي، ليس من كلام، لكنه إحساس حقيقي وصادق؛ حيث يتمنى أن يفعل أي شيء في الدنيا من أجلى، وحيث إنه في هذا الفترة تحمّل الكثير من تقدم عرسان آخرين لي، وأمنيته لي أنه إذا كان أحد فيهم مناسبا، ويخاف عليّ؛ فهو يدعو أن يوفقني الله معه؛ فحبه ليس حبَّ أنانيٍّ.
أهلي يرفضونه رفضاً لا رجعة فيه؛ لأنهم لا يعرفونه جيدا، وهو إنسان يشرف أي مكان يوجد فيه، فهل كل ما حسّنه من نفسه يرضي أهلي، وتبقى -كما قلت- الناحية الاجتماعية والمشوار في التعليم؟ فهل أنا على صواب أم على خطأ؟ ولكني لم أندم؛ لأني أصلحت من شأن إنسان، وتحولت حياته إلى الأحسن، بماذا تنصحني؟ أن أستمر؟ وبماذا أقنع أهلي؟
أرجو منكم الرد علي؛ حيث إنني في هذا من حوالي سنة كاملة من التعب لخوفي من الناس والمجتمع.
الإجابـة
أختي الكريمة، الوقوف في مفترق الطرق ليس حلا لمشكلتك، أنت أخطأت في حق نفسك وحق هذا الشاب، وحق أهلك، طوال سنة كاملة لم تحسمي فيها أمرك، سواء بالرفض أم القبول، أخطأت فلم تزيدي نفسك إلا إرهاقا وتمزقا بين مشاعرك وعقلك وشعورك بخيانتك أهلك.
أختي، أنت لست في حاجة لمن يقنع أهلك؛ فالمشكلة أنك غير مقتنعة مائة بالمائة؛ لذا دعينا نفكر بصوت عالٍ في خياراتك، فأنت بين اختيارين: الأول أن تعلني موافقتك على هذا الشاب.
وأسبابك: اهتمامه، وحبه لك، وحسن خلقه، وقدرته على تطوير نفسه، وتنمية مهاراته وقدراته، هذا إلى جانب إعجابك به.
وأما الصعوبات المتوقعة، فأولها: رفض أهلك، ولكن من خبرتي أقول لك: إنه رفض يمكن التغلب عليه بالإصرار على قرارك، وخصوصا إذا لمس الأهل أنك مقتنعة فعلا بهذا الشاب بل وفخورة به.
ثانيا: أنكما من بيئتين مختلفتين، وصعوبة هذه المشكلة ليست فقط في أن أعمام وعمات أولادك بسطاء الحال، أو من طبقة اجتماعية أقل، ولن تستطيعي فصل أولادك عن سلوكهم المختلف عما تربيت عليه، وزوج المستقبل مهما كان قادرا على تطوير نفسه؛ فلن ينسلخ من جلده وأصله؛ فبلا شك ستجدين بعد معاشرته أمورا اكتسبها يصعب تغييرها، وربما اكتسبها أولادك، وسيكون مطلوبا منك أن تحاولي التكيف معها، فهل تستطيعين؟.
ثالثا: خوفك من رأي الناس؛ فربما كان هذا الشاب فعلا يشرف أي فتاة يتقدم لها، وهو لا يخجل من أصله وأهله، رغم كل ما وصل إليه، وأعتقد أنكِ تستطيعين الزواج منه، فقط إذا كان لديك نفس إحساسه بنفسه ورضاه عنها، فلا تخجلي من أصله وأهله ولا منه، ولا يهمك رأي الناس وانطباعاتهم المختلفة، بل على العكس أن تكوني فخورة أنه رغم بساطة بدايته وصل إلى ما وصل إليه؛ فهل تستطيعين التغلب على هذه الصعوبات؟.
فإذا كنت تستطيعين فاحسمي أمرك، وصارحي أهلك، وتحملي ضغوطهم التي ستكون قوية لفترة، ثم ستتغير، وستأخذ في التحسن مع الوقت، فإذا كنت لا تستطيعين فخيارك الثاني والوحيد الرفض.
بلا شك سيسبب الرفض وقطع علاقتك به كليا ألما لك وله، وسيزول مع الوقت، وينتهي، ولا يبقى من مرارة هذه التجربة إلا خبرة تستفيدين منها في حياتك.
وصدقيني أن استمرارك معه لن يزيده إلا ألما؛ لأنك ستتركينه –لا محالة- ما دمت لن تستطيعي القيام بالخيار الأول وتحمل تبعاته.
أختي الحبيبة، بعد كل ما قلت لك أنت الوحيدة القادرة على الاختيار، ولن نأخذ لك قرارا يجب أن تأخذيه بنفسك، وإنما أوقدتُ لك شمعة بين مفترق طرق مكثت فيها طويلا، فاستخيري الله، وأسرعي الخطى نحو القرار الأنسب لك. وأعلمينا بأخبارك.
⇐ هنا أيضًا المزيد من الاستشارات السابقة:
- ↵ صراع بين الحب والواقع: هل أتزوج من شاب ابن بواب رغم اعتراض والدي؟
- ↵ صراع الموافقة: لماذا ينفر الشباب من صديقتي بعد موافقتها على الزواج؟
- ↵ مشاعر الشك: هل أخبر خطيبي بحبي السابق أم أكتمه خوفًا من انهيار العلاقة؟
⇐ أجابتها: سمر عبده