الحب حين يباغت القلب يدخله بلا استئذان، وبلا منطق، فقد نقع في حب من لا يناسبنا، وقد نقع في حب من لا يبادلنا الحب، وقد نقع في حب من لا يستحقنا، وقد نقع في حب من لا يصلح لنا، وقد نقع في الحب ونكتشفه بعد فترة طويلة من التعارف والعشرة، وقد نقع في الحب من أول نظرة، ففي الحب كل الاحتمالات واردة ومقبولة.
وهنا سيدور الكلام في فلك الحب والوقوع فيه من النظرة الأولى، وهل الحب من أول نظرة يكون من القوة والسلامة بحيث يبقى، ويستطيع مواجهة التحديات ويصمد أمام الصعوبات؟ أم أنه نزوة لا تلبث أن تزول وتذهب روعتها؟
الحب من أول نظرة حقيقته وتفسره
ما يحدث في القلوب من ذلك الشعور العنيف الذي يهز القلب عند وقوع العين على ما تحب رؤيته، هو بداية حب ويمكن أن نطلق عليه إعجاب أو انجذاب لكنه ليس حبا حقيقيا، هو مجرد باكورة مشاعر الحب، أو النبتة الأولى لغراسه الطيب، والأحداث التالية والمفارقات التي تجمع الطرفين فيما بعد هي التي تحدد مصير الحكاية وتفاصيلها ومسارها.
قد نشعر بالحب أو بداياته حين نرى شخصا جمع في صفاته ما يثير إعجابنا ويلفت أنظارنا أو تفرد بصفة عن غيره فننبهر به، وقد تكشف لنا الأيام بعد ذلك من عيوبه ونقائصه ما يصعب تحمله، وما يرجح كفة الانسحاب عن كفة الاستمرار.
أما تفسير الحب من النظرة الأولى فهو غالبًا راجعٌ إلى فراغ القلب وخلوه من الحب، وتأهب الإنسان للقائه والاستعداد له وانتظاره، فمتى صادف الحب قلبًا خاليًا متلهفًا إليه وقر فيه وأعلن عن نفسه بوضوح تام، والدليل على أن الاستعداد للحب هو السبب الرئيس لاستقباله والشعور به، أننا كثيرًا ما نلتقي بأشخاص متميزين في جمالهم أو مظهرهم أو طلتهم، بل ننبهر بهم ونعجب بمزاياهم، ولكن ما دام القلب عامرًا بالحب فلا يلق لهذه الأحداث بالًا ولا يعيرها اهتمامًا، وتمر كغيرها بسلام، دون أن تترك في القلب علامة.
كيف نتعامل مع مشاعر الحب التي تولد مع النظرة الأولى؟
قلنا آنفا أن المشاعر الأولى والانجذاب إلى شخص ما في بداية الطريق يعتبر كلمة مرور إلى قصة جديدة بتفاصيل جديدة، ويجب أن نفهم جيدًا أنها بداية قابلة للاستكمال وقابلة للانتهاء، فلا نعطيها أكبر من حجمها الطبيعي ولا نسمح لها بالسيطرة على قلوبنا، حتى يتبين لنا ملامح الشخصية الحقيقية، فالانطباعات الألى ولحظات الإعجاب الأولى قد تكفي لكلمة إعجاب أو تفكير في الشخص لبضع دقائق، ولكنها لا تصلح لاتخاذ قرارات مصيرية حاسمة أو بناء حياة كاملة.
الحب من أول نظرة إشارة إلى امكانية التواصل بسلاسة، وتوفر الحد الأدنى من الإعجاب الذي يقبل الزيادة عليه والبناء فوقه، ولكنه يظل في حاجة إلى التعقل والنظر إليه بدقة وزنته بميزان العقل الناضج، وعدم الانجراف وراءه، فكم من خيبات حظي بها المحبون والعاشقون الذين سلموا قلوبهم للحب من النظرة الأولى وأطاعوا ما يمليه عليهم وما يشير به إليهم، وكما قال أحدهم : كل المصائب مبدأها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
الحب من النظرة الأولى يمكن أن يمنحك تصريحا لدخول جنة العشق والسعادة من أوسع أبوابها ويمكن أن يكون سببا في شقائك وتعاستك مدى الحياة.
الحب من النظرة الأولى يقتحم القلب حين يلتقي الإنسان بمن يشبه روحه، أو يجمع في ملامحه صفات طال البحث عنها، فكم مرة يأتيك القدر بشخص عشت عمرك كله تبحث عن ملامحه، وترسم تفاصيل ووجهه وشخصيته، فيطرب القلب لرؤيته ينتفض للقائه.
ومضه رومانسية
حين التقيتك قررت، من النظرة الأولى أن اقتحم حصونك واستعمر كل مواطن العشق في غرفات قلبك، وقد نجحت.
أتذكر منذ اللحظة الأولى حين اختطفت لمعة عينيك؟ أتذكر هذا الارتباك الذي سيطر على حركتك؟ اتذكر كلماتك المتلعثمة وانت تسألني عن اسمي؟ أتذكر تسارع نبضك حين امتدت يدي لتسلم عليك؟
أظنك تذكر ذلك جيدًا، والآن وقد مضى على هذا المشهد سنوات، أقسم أني لو التقيت بك لعاودتك لمعة العيون، ولعاودك الارتباك ، ولتلعثمت الحروف على شفتيك كما حدث في المرة الأولى، ولتسارعت نبضات قلبك أكثر ألف مرة من ذي قبل.