كان شابا سريع الحب، وكان يبحث عنه دائما منذ كان في السادسة عشرة من عمره، وأول فتاه أحبها كانت ابنة جيرانه، وكان لا يلتفت إلى وجودها عندما كان صغيرا لكن بعد سنوات من بلوغه سن المراهقة أدرك عاطفيا وجود هذه البنت الجميلة وظل يراقبها من شباك غرفته لأشهر، وشعر أنه يحبها وحاول أن يجد طريقة للتحدث معها لكنه لم ينجح فلم تكن هناك أي علاقة بين أسرتيهما،
وكانت الفتاة التي تقاربه في السن جزءا رئيسيا من أحلام يقظته فعاش معها أجمل قصة حب كما صور لنفسه وظل على حاله لفترة طويلة.
وعندما التحق الشاب بالجامعة أحس أن حبه لابنة الجيران قد خبا بوجود العديد من زميلاته الفتيات وقد أتيحت له فرصة التحدث إليهن وأعجب ببعضهن، وعاش قصصا من الحب في أحلامه لكن فتاة محددة أعجب بها وانجذب إليها بشدة فكانت بطلة أحلام يقظته، وظل الشاب لأشهر يتودد إليها ويقترب منها، فكان يلقاها دائما بابتسامة ويكلمها بود ويظهر لها حنانه الفياض ويثني على كل كلامها ويبدى إعجابه الشديد بأناقتها حتى استطاع لفت انتباهها فمالت إليه وشعر بذلك فعاش حالة من السعادة لم يعرفها من قبل، وبعد فترة صارحها بحبه لكنها تخلصت من الموقف بلباقة رغم ما بدا عليها من فرحة، وظل الشاب يلح عليها عارضا حبه إلى أن تبدلت تصرفاتها معه واقتربت منه عاطفيا دون التصريح بحبها.
وواصل الشاب حبها في أحلام يقظته وفي الواقع وقبل تخرجه في الجامعة انفصلت حبيبته عنه لكثرة المشكلات التي كانت تحدث بينهما ومحاولة كل منهما السيطرة على الآخر بسبب تقارب سنهما، وأصيب الشاب بالهم والحزن لكن الوقت كان كفيلا بإخراجه من حالته، وظل يبحث عن الحب حوله ويعيش مشاهد منه في أحلام يقظته مع أي فتاة يشعر بميل إليها، وعندما التحق بالعمل في إحدى الشركات صادف عددا من الزميلات اللاتي كان يعيش معهن قصصا من الحب في أحلامه ومال إلى واحدة لأدبها الشديد وحُسن مظهرها ورقتها ودأبها في العمل ومجاملاتها الحانية على زملائها.
وكالمعتاد صورت له أحلامه حبه لها لكن المشكلة التي واجهته أن مجتمع العمل مختلف عن الجامعة والعلاقات مراقبة لقلة عدد الزملاء وصغر مساحة الإدارة الموجودين بها، ففكر الشاب كثيرا إيجاد طريقة للاقتراب من زميلته ثم الإفصاح عن حبه، وساعدته الصدفة باكتشاف أنهما مشتركان في ناد واحد، وببعض الحيل استطاع مقابلتها في النادي مع عدد من أصدقائه وأصدقائها وتكررت المقابلات التي كان يسعى فيها دائما إلى أن ينفرد بالحوار معها، ونجح في ذلك مرات قليلة،
وامتدت العلاقة إلى اشتراكهما في ماتش تنس طاولة أو القيام برحلة اليوم الواحد التي كان ينظمها النادي، وبعد فترة لاحظت الفتاة ميله الشديد إليها وشغفه بها وشعرت بنفس شعوره ولم تجد أي مانع في الارتباط به، لكنها انتظرت تصريحه بذلك، ولم تنتظر كثيرا فالشاب سريع الحب صارحها بحبه وبرغبته في الارتباط بها ولم ترد عليه بالرد المعروف عن الفتيات في هذه الحالة بأنها فوجئت، بل ابتسمت -برقة- ابتسامة لم ينسها الشاب في يوم من الأيام، وأبدت موافقتها، لكنها طلبت منه فترة للتعرف عليه أكثر قبل القيام بأي شكل رسمي للارتباط فوافق على الفور.
واشترطت عليه أن يتقابلا في النادي يوم الراحة الأسبوعية فقط تحت نظر كل الناس، وبالفعل كانا يمضيان اليوم بالكامل في النادي من الصباح حتى المغرب، وبعد شهرين اكتشفت الفتاة صعوبة الارتباط بينهما؛ لأنه عكسها فطموحه كان متواضعا وطريقة حياته مختلفة عنها، فهو من النوع الذي يسير في الحياة بطريقة كلاسيكية، وقامت بالاعتذار له دون أن تجرحه، وعندما طلب منها معرفة السبب ذكرت- بلطف شديد- أنها كانت تشعر بميل جارف نحوه لكنها اكتشفت بعد فترة أن ذلك لم يكن حبا، وطلبت منه ألا يؤثر ذلك على علاقتهما في العمل وعلى مستقبلهما.
وأسقط في يد الشاب فلم يفهم الفرق بين ميلها الشديد نحوه وحبها له، لكنه تقبل الوضع الجديد وخاض فترة من المعاناة والألم، استطاع الوقت مرة أخرى أن يخفف وطأتها عليه، ومرت الحياة والشاب يحاول في أحلامه أن يحصل على حبيبته المنشودة، وعندما تحدثت والدته معه عن الزواج رفض في البداية، لكن مع بلوغه سن الثلاثين وافق أن يتزوج من فتاة اقترحتها والدته وتربطها بهم صلة قرابة، وتزوج زواج صالونات بدون خوض قصة حب على أمل أن تكون حبيبته التي ظل يبحث عنها.
وبعد أشهر من الزواج وجد أن الفتاة التي يبحث عنها في أحلام يقظته ليحبها ويتزوجها لن تأتي؛ لأنه تزوج فأدخل شريكة حياته في دائرة أحلامه الرومانسية وتعلق بها وأحبها بشدة وشعر أن الله منّ عليه في النهاية بفتاة أحلامه التي تشاركه رحلة العُمر.
لكن الشاب لم يدرك يوما أن هناك فرقا بين الإعجاب والانجذاب إلى فتاة والميل إليها وشدة التعلق بها وبين الحب الحقيقي.
بقلم: محمد صلاح أحمد
قد ترغب أيضًا بقراءة: