أشعر كثيرا أن كل ما يحدث لا يحدث “بجد“؛ غير حقيقي بل هو “بروفة” لما سيتم لاحقا أو حتى حدث سابقا.
خذ مثالاً على ما أقول: افتح أي من البرامج التي تسمى “حوارية”، وهي أقرب للنميمة المسلية والتي تستوجب منا الندم و البحث عن الغفران لما فرطنا من أوقات وما ضيعنا فيه من عمر وفكر؛ المهم اسمع ما يقوله المحاور الساخن دائما اللاذع دائما “جايب الديب من ذيله دائما”.. هل تراه؟، أتشعر أنه “بجد”؟!.
خذ حديث الناس عن السياسة؛ بل انصت لحديث الساسة أنفسهم لن تخالها إلا كلمات للتصوير، للتسجيل، للاستهلاك، كلمات لنجد كلمات أخرى نرد بها على الكلمات الأولى، ولنتذكر لاحقا ما تم سابقا فنعلق عليه في حوار ثان وكأننا صرنا نتعاطى الكلام!، استمع للمسئولين الكبار والصغار حين يصرحون، ويسرحون، ويسرحون بنا في كلام كبير أغلبه لا يمكن أن يكون “بجد”.
الجد أجده فعلا حين يبكي طفل صغير لأنه لا يجد صديقا، أو لأن قلمه الجديد ضاع، أو لأنه كان يتمنى أن يشاهد مباراة ممتعة في الوقت الذي لابد فيه أن يشاهد الأب برنامجه الحواري الأهم.
وقد يكون الجد أيضا حين يتكىء الأب على مسند مقعده مرتشفا قهوته سارحا في “مصاريف المدارس للعام الجديد.. بالطبع المصاريف مسألة “جد”، وهم الأب في طلبها جد الجد؛ لكن ما تنفق فيه المصاريف للأسف أبعد ما يكون عن “الجد”.
الجد أجده حين أطالع فرحة أم بكلمات قالها الابن الحبيب فتشعر أن ما باتت وأمست في تكراره نفع ونجع وصار “جد”.
أجده حين نقف أمام حزن عميق للكثيرين ممن يعانون في هذه الحياة معاناة كثيرة من أمور كثيرة، والحقيقة التي قد تريحهم أن أغلبها ليست “جد”؛ بل للأسف متخيلة، وإدراكنا المحدود لها هو ما جعلها تفعل فينا فعلها، ولكن الحزن هنا “جد” وإن كانت كثير من مسبباته ليست “بجد”.
كم أتمنى أن نعيش “بجد”؛ نتنفس تنفسا حقيقيا، نشعر مشاعر حقيقية، نؤمن إيمانا حقيقيا، نغضب غضبا حقيقيا، نحب حبا حقيقيا، نتفاعل مع ما يدور حولنا وما ينساب داخلنا تفاعلا حقيقيا.. ترى أين نجد هذه الحياة الحقيقية؟، بل الأهم هل حينها سيمكننا بشحوب شخوصنا أن نعيش هذه الحياة “الجد”؟!.
بقلم: نيفين عبد الله صلاح
⇐ لعلك ترغب في قراءة المزيد: