شهر رمضان الفضيل شهر متميز لا يشبهه شهر، فيه تقوى الهمم وتتنافس القلوب الجوارح على العبادة، فترى المساجد مزدحمة عن آخرها، وترى المصاحف تتنقل بين يدي القارئين، لا يلبثوا أن يتركوها لبعض شئونهم حتى يعودوا إليها ثانية، والكل يحرص على الصدقة ويتبارى في إفطار الصائمين ، أملًا في إرضاء رب العالمين.
ثلاثون يوما تمضي في الطاعة والقرب، يعقبها فتور مرعب وجفاء غريب قد يمتد حتى قدوم رمضان التالي، وهنا يطل علينا سؤال: ما الذي يحدث بعد انتهاء رمضان؟ لماذا هذا الهجر المفزع لكتاب الله وبيوت الله؟ وكيف نوطن أنفسنا على الخروج من رمضان بعظة أو طاقة إيمانية تمكننا من الثبات على الطاعات التي اعتدنا فعلها في رمضان أو على الأقل الثبات على قدر يسير منها؟
هنا سيدور الحديث في فلك تربية النفس تزكيتها والأخذ بيدها وشد عضدها لتواصل الطاعة وتثبت على فعل العبادات ولينجوا القلب من ذنب البعد عن الله بعد القرب، والهجر بعد جميل الوصل.
لماذا يعتبر الثبات على الطاعات بعد رمضان من جوهر الإيمان ورضا الرحمن؟
نحن مأمورون بالطاعة والعبادة طول العام ومطالبون بتكثيفها في رمضان، فالمسلم يجب أن يحرص على التزام الطاعات ما تيسر له ذلك، وذلك لعدة أسباب أهمها ما يلي:
• الثبات على الطاعات والاستمرار في أداء العبادات من أحب الأمور إلى الله عز وجل، ومما يدلنا على ذلك قول الحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل).
• الثبات على الطاعات مظنة الموت عليها ومظنة حسن الختام، وتلك غاية عظيمة تستحق مجاهدة النفس ومخالفة الهوى.
• في الثبات على الطاعات اقتداء بالمصطفى –صلى الله عليه وسلم-: فقد بينت لنا السنة النبوية أن النبي –عليه السلام- كان إذا عمل عملا ثبت عليه ولم يتركه.
• العبادة والطاعة في الإسلام ليست مواسم ولا مقامرة، فمن يكثف عمله في رمضان، ويترك العبادة حتى يقبل رمضان التالي ليشد عزمه ويجدد نيته وطاقته، فمن يدريه أن يكون في عمره بقية ومن يدريه أنه سينتظر رمضان ويمنح فرصة التوبة والعبادة.
أسباب وسبل الثبات على الطاعات بعد رمضان
الأسباب المعينة على الثبات على الطاعة كثيرة ويجب على المسلم الحريص على محبة الله ورضاه، والمتطلع إلى النجاة من مهالك الدنيا والآخرة وسوء المنقلب أن يأخذ بجلها، ويتمسك بمعظمها ليحقق في نفسه تلك الغاية ويدرك منزلة الثابتين على الطاعة المداومين لها ومن أهم تلك السبل ما يلي:
• تذكر الموت وتذكير النفس باقتراب الأجل، وبأن موعد الموت مجهول وقد يكون قريبًا.
• تذكير المسلم نفسه بأنه قد لا يعوده رمضان ثانية، وقد تكون أيامه ما بعد رمضان أخر عهده بالطاعة والعبادة، فيغتنمها ويحرص على تعميرها قبل أن يباغته الموت.
• تذكير المسلم نفسه بحلاوة الطاعة وأثرها الطيب على حياته، ليداوم عليها ولا يهجرها.
• الصحبة الصالحة ومرافقة المسلمين العابدين الطائعين يعين العبد على مواصلة الطاعة ومقاومة الفتور، فضلًا عن ترك المعاصي وتجنب الوقوع فيها.
• الإكثار من الدعاء وطلب المدد والعون من الله عز وجل أن يثبت قلوبنا على الطاعة، وهذا من أشهر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم- فقد كان يسال الله الثبات على دينه، لأن القلوب متغيرة متقلبة.
• وضع جدول للعبادة طوال العامة والحرص على فعل ما تيسر منها وعدم الانقطاع عنها تحت أي ظرف، ومعاقبة الانسان نفسه عند التقصير والفتور، ومكافأتها على الإنجاز والاستمرار.
• الحرص على إصلاح القلب وتزكية النفس، فالقلب هو ينبوع الطاقة والإرادة وهو المحرض على السقوط والزلل، فمن أصلح قلبه فقد قطع شوطًا كبيرًا في سبيل الثبات على الطاعات وترك المعاصي، وحتى إن زلت القدم فيرجى النهوض والتوبة.
• الإكثار من الاستغفار وطلب العون من الله على الشكر والذكر وحسن العبادة.
• التمسك بالطاعات والعبادات السهلة على الانسان المحببة إلى قلبه، فمن الناس من يفتح عليه في باب الصدقة ومنهم من يفتح عليه في القيام أو الذكر أو غيره، لذا يجب أن يكثر من تلك العبادة حت يرق قلبه وتشتد عزيمته ليكمل كل نقص ويتذوق كل عبادة ويحرص على كل منفعة.