يقول أحدهم في شأن التواضع: تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة … فإن رفيع القوم من يتواضعُ
خلق الله الناس متفاوتين وفضل بعضهم على بعض في الرزق والخلق، وجعل منهم السادة والخاصة ومنهم العامة والفقراء والمساكين، وما الذين فضلوا برادي رزقهم، وما يملك المساكين والفقراء رد فقرهم ولا دفع حاجتهم، اقتضت إرادته وحكمته أن تمتزج الطبقات وتتعارف الناس وتختلط الشعوب، لتكتمل منظومة الكون فيخدم الفقير الغني ليحصل على ما يقيم به حياته، يدفع الغني بعض أمواله مقابل الحصول على مصالحه وتحقيق راحته ورفاهيته، فالمصلحة متبادلة ولا تقل حاجة الأثرياء إلى من دونهم عن حاجة الفقراء إلى من فوقهم، وهكذا تسير المنظومة الاجتماعية فيتناسق تكامل، وتٌسد الحاجات وُقضى المصالح، ولكن.
بعض من البشر يصيبه الغرور فيعمي نظره عن حاجته للغير وينسى أن لا فضل له عليهم إلا بما أفاض الله به من رزقه وما اختصه به من جاه أو سلطة، ويفوته أن الله الذي أعطى بيده أن يأخذ وأن الذي رفع في لحظة يبدل الحال، فهو المعز المذل، فيطغى في الأرض ويباهي الناس بما يملك، وينظر لخلق الله بتعال ويغفل عن التواضع!
وهنا رسالة تذكير جادة وملحة عن التواضع وأهميته ودعوة الإسلام إليه.
التواضع ومعناه
خلق التواضع من الأخلاق الكريمة التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، والتواضع يعني التخلي عن الترؤس وحب الريادة والتعظيم، وترك التباهي بما يملكه الشخص من جاه أو مال أو علم أو غيره، وقيل كذلك أن ينزل الإنسان نفسه مكانة أدنى من مكانته وأن يتبوأ بين الناس منزلة دون منزلته الحقيقية، فيخفض جناحه للفقير والمسكين والضعيف وذي الحاجة، دون أنفة أو تعال.
والتواضع غير الضعة، التواضع فضيلة والضعة رزيلة وهي أن يضع الإنسان نفسه موضعا متدنيا يتنافى مع عزة النفس والكرامة، بفعل ما يستوجب التوبيخ أو يستوجب احتقار الآخرين وليس هذا المراد في حديثنا.
دعوة الإسلام للتواضع
يدع الإسلام دائما إلى كل خلق قويم، وسلوك راق ومتحضر، ويرفض ما سواه من العجرفة أو سوء الخلق، وقد دعا إلى التواضع في كثير من المواضع من ذلك قول الله عز وجل يمتدح المتواضعون الذين يتميزون بلين الجانب والسكينة والهدوء: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً)، وقد جعل الله التواضع من صفات عباد الرحمن، ودعا إلى ذلك معبرا عن التواضع بخفض الجناح للمؤمنين، فيقول عز وجل: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)، أي تواضع لهم وترفق بهم.
ومن الأحاديث التي دعت إلى التواضع صراحة وبينت فضله ومكانته، قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله). رواه مسلم.
أهمية التواضع
التواضع صفة من صفات عباد الرحمن بل هو شرط لتمام العبودية، فالتواضع لخلق الله وعدم التعالي أو التفاخر عليهم هو في الأصل تواضع لله، وتذلل له وإقرار له بالفضل، والعلم بأنه المانح المانع وأنه الرافع الخافض، المعز المذل، ويعكس التواضع علم الإنسان أن ما بيده من نعمة من الله وأنه لا فضل له فيها، وعلامة ذلك أن الله يستطيع نزعها منه في لمح البصر، فكم من جبابرة وكم من سادة تبدل بهم الحال فصاروا أذلة من بعد عزة، وكم من الطغاة الذين ملؤا الأرض جورا وكبرا انتهوا وتلاشى ذكرهم، وفي ذلك يقول أحدهم:
ولا تمشِ فوق الأرض إلا تواضعاً ….. فكم تحتها قومٌ هُمُوا منك أرفعُ
وإن كنت في عز رفيع ومنعة ….. فكم مات من قومٍ هُمُوا منك أمنعُ
ثمار التواضع
من ثمار خلق التواضع أنه يكسب العبد حب الناس، واقترابهم منه والتفافهم حوله وذكرهم إياه بالخير، فيجدهم إن حلت به نازلة من النوازل أو أصيب بضائقة أو محنة، ويأمن شماتتهم، والأفضل والأهم أنه يستجلب به حب الله، ووعد الله من يتواضع لأجله أن يرفعه ويعزه، ويرفع بين الخلق قدره ومنزلته بجاه أو مال أو علم!
ومن ثمار التواضع بين الناس أنه يؤلف القلوب ويجبر الخواطر، وينشر السلام والتصالح بين المجتمع ويحجم البغضاء والكراهية بين الناس، ويسد ذرائع الحنق والغضب.
شكرا جزيلا نصائح مفيدة