نسمع من الأصدقاء والمسؤولين وقادة رأي خطابات مثالية، لكن في الواقع نواجه صدمة حين نشاهدهم يمارسون العكس، وفي البداية نزدري ازدواجيتهم وإطلاقهم لخطابين متناقضين، مثالي للعلن، وآخر يساير مصالحهم، لكنه في الحقيقة مساير للواقع الذي فرضه مجتمع يضغط باتجاه أن يتماهى الفرد على شاكلة الأغلبية، فالمثالية أصبحت مفردة منفرة، وهناك من يحاربها، وهذه الحرب تجد أنصارا، وعند وجود شخص يريد الحفاظ عليها فإن المجتمع لا يعطيه القبول الاجتماعي، فالمجتمع الذي يمتلك سطوة كبيرة هو بمثابة الأمان الاجتماعي الذي يسعى الأفراد للوصول إليه.
هذا التوصيف لا يعفي مزدوجي المواقف من المسؤولية الأخلاقية، لكن المسؤولية الكبرى تقع على التنشئة التي لا تراعي التشديد على تفرد الإنسان، وأنه وحدة قائمة بذاتها، وأن مسؤوليته تقتضي السعي إلى صون هذه الوحدة من التماهي مع الآخر والتشابه معه إلى حد التطابق الذي يضيع حدود الشخصية، فيتحول الشخص من فرد بهوية محددة إلى كيان نمطي يشبه الآخرين.
هذه المسؤولية تطول وزارة التربية والتعليم، فهي مؤسسة معنية بتنشئة الأجيال، وقيامها بهذه الوظيفة من شأنه أن يسهم في حل كثير من المشاكل التي يعانيها المجتمع والوطن، لكن الوضع الحالي ينبئ عن أن نظرية الجماعة بعشوائيتها وفوضاها هي السائدة، وهذا غرس ترعاه الأسرة وتنميه في الأطفال منذ نعومة أظفارهم، فهي – أي الأسرة – حريصة على عدم التصادم مع المجتمع بمختلف قيمه السلبية والإيجابية، فيما المؤسسة التعليمية مؤسسة لها قيمها التي تنزع إلى الأفضل معتمدة في ذلك على تراكم الخبرات البشرية العلمية، وينبغي ألا تنساق إلى السلبية.
كثير من المفاهيم تحتاج إلى إعادة نظر، بحيث يكون للجهات الرسمية في البلاد دور في إعادة إنتاجها، ومن هذه المفاهيم دور الفرد وعلاقته بالمجتمع، حتى يقضى على حالة تعدد وتناقض الشخصيات والألسن داخل الفرد الواحد.
بقلم: منيف الصفوقي