التفكك الأسري.. وكيفية الوصول للمجتمع العفي

التفكك الأسري.. وكيفية الوصول للمجتمع العفي

في ظل ما يمر به العالم من تغيرات فكرية وأخلاقية وتراجع للقيم بعامة مما يؤدي لتفكك المجتمعات وضعفها، وجب علينا أن ننتبه ونحن مجتمعاتنا ونمهّد لها الطريق نحو الاستقرار الأسري والأمان القيمي والتماسك المجتمعي، لكي نعبر من تلك الأزمات وتولد من جديد مجتمعات عفية محصنة بالقيم الدينية والإنسانية المنيرة.

ورأينا أن أول ما يهدد مجتمعاتنا هي قضية التفكك الأسري، والتي تعتبر واحدة من المعاول التي يراد بها هدم مجتمعاتنا من خلال ما يسمى بالنهايات الخمس: نهاية اللغة، والثقافة، والدين، والأسرة، والدولة. فكان لزامًا علينا أن نحشد علمنا وجهدنا المواجهة هذا التهديد الخطير.

ومن دواعي الاهتمام بهذه القضية هي تأثيرها المباشر على أطرافها، وهم الزوجان والأبناء، بالإضافة إلى أن إحصائيات الطلاق في مصر مثيرة للقلق الاجتماعي، ومن ثم أصبح ارتفاع نسب الطلاق قضية أمن قومي.

ورصدنا أن نسبة الرغبة في الطلاق تزيد في الخمس سنوات الأولى من الزواج وتزيد أيضا في الأعمار بين ثلاثينيات وأربعينيات العمر، كما رصدنا عددًا من منبئات الطلاق، منها: عشوائية اختيار شريك الحياة، والهشاشة النفسية للزوجين في مواجهة الضغوط، واضطراب العلاقة مع أسرة منشأ الزوجين، وانخفاض تقدير طرف كل منهما للآخر، والاعتداء على الطرف الآخر فيما تسميه “التنفيس بالعنف”، وعدم الحرص على استمرار العلاقة.

وتظهر تلك المنبئات وغيرها في نواحي الحياة الزوجية في أمور كثيرة. منها على سبيل المثال: الخرس الزوجي، والقطيعة بين الزوجين بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، والخلل في توزيع الأدوار الحياتية، وإهمال طرف للآخر، وعدم تحمل المسئولية والاعتمادية، وطمع الزوجة وبخل الزوج، والتعرض للاحتواء البديل خارج الأسرة من زملاء العمل أو الأقارب والأصدقاء وقد يصل الأمر للخيانة الزوجية.

كما تظهر الآثار السلبية للتحديات الزواجية على تربية الأبناء بشكل غير سليم وغير سوي، فيصبحون عُرضة لاختطاف عقولهم وتشردهم، فنخسر الأجيال الجديدة وندفع ثمن خسارتهم بالانضمام للجماعات المتطرفة، أو لافتراشهم الشوارع وترويعهم للناس، وفي هذا هلاك لهم وللمجتمع بأكمله.

ولأن الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع والتي في صلاحها صلاح للمجتمع. فالخطوة الأولى لبناء مجتمع عفي هو بناء أسرة عفية.

ومن هذا المنبر الكريم الذي أتاحه لنا معالي وزير الأوقاف المصرية فضيلة الدكتور أسامة السيد الأزهري، أدعو لإنشاء “المركز الوطني لحماية مؤسسة الزواج”، والذي من شأنه القيام بالمهام التالية:

  1. المهمة الأولى: إعداد برامج التدريب التأهيلي والوقائي لمنخفضي التوافق الزواجي الراغبين في الطلاق، والمقبلين على الزواج، والتي تتناول توصيف المهام الزواجية، وإدارة التباين في أنماط الشخصيات والعادات والسلوكيات والقيم ومستوى التدين، واستثمار النضوج الزواجي، وإدارة العلاقة مع أهل الطرف الآخر بصورة عقلانية، وتبصير الأطراف بالسلوكيات والعادات الصحية.
  2. المهمة الثانية: تدريب الكوادر القادرة على التعامل مع منخفضي التوافق الزواجي والراغبين في الطلاق، فنقوم بتدريب المفتين بالمؤسسات الدينية المنوطة بالإفتاء، وأئمة المساجد والدعاة، ورجال النيابة العامة والعاملين بأقسام الشرطة والمأذونين، والجمعيات الخدمية الناشطة في مجال رعاية الأسرة، وغيرهم.
  3. المهمة الثالثة: اقتراح تعديلات تشريعية خاصة بكل من الزواج والطلاق.
  4. المهمة الرابعة: القيام بعملية التنشئة الزوجية المجتمعية من خلال مؤسسات التوعية، ومنها: الأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، ووزارة الأوقاف، ووزارة الشباب والرياضة، والقنوات الفضائية، وشبكات الإذاعة والتلفزيون، ووزارة التربية والتعليم.

يا سادة علينا ألا ندخر جهدا في الحفاظ على تماسك الأسرة المصرية، وإمدادها بكل ما يقيم أودها لتنهض بمجتمعنا وترفع رأس مصرنا الحبيبة عالية أمام الأمم، ليباهى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن على يقين من تحقق وعد الله لجنابه الشريف: “يا محمد، إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك”.

أضف تعليق

error: