ما مدى تأثير تغذية الأم ونوعيتها على صحة الطفل العقلية؟
قالت الأستاذة “رُبى مشربش” أخصائية التغذية: هذا الأمر من الخطورة بمكان حيث الإرتباط الوثيق بين نوعية تغذية الحامل وبين صحة الطفل العضوية والنفسية والعقلية، فبعض الحوامل يعتقدن أنه بالإمكان تناول كل أنواع الأطعمة بحجة أن الجنين سيأخذ المفيد فقط ويترك الضار وهذا خطأ تمامًا حيث أثبتت جميع الدراسات البحثية مدى تأثير نوعية الغذاء وصحة الأم النفسية على قدرات الطفل البدنية بل والعقلية أيضًا، بل ويمتد تأثير الأغذية الغير صحية أثناء الحمل على حال الطفل لما بعد سنين طويلة من عمره، واعتمدت هذه الدراسات على المقارنة بين حال الأطفال من الولادة حتى سن المراهقة لمن كانت أمهاتهم يتبعون التغذية السليمة ومن كانت أمهاتهم لا يتبعون التغذية السليمة أثناء الحمل، ووجد فعلًا الفارق الكبير في صحة جسم الأطفال وبنيانه وكذلك في صحة العقل بين أولئك وهؤلاء. والجدير بالذكر أن هذه الدراسات أثبتت كذلك أن الحالة النفسية للأب وقت الإخصاب تؤثر في إصابة الصحة النفسية للطفل بعد الولادة.
مما سبق جميعًا يتضح لنا أهمية الإلتزام بالتغذية الصحية السليمة أثناء الحمل، وأهمية تحسين الحالة النفسية والمزاجية للأم طوال هذه الفترة، لأن فقر التغذية للعناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها الأم – وبالتبعية الجنين – سيؤدي لا محالة إلى دخول الطفل في مشكلات صحية ونفسية وعقلية تستمر معه لسنين متتابعة بعد ذلك.
ما هي العناصر الغذائية ذات التأثير الإيجابي على صحة الجنين العقلية والتي يجب على الحامل تناولها؟
أشارت “أ. رُبى” إلى تعدد العناصر التي تُلزم الأم بالحصول عليها من الغذاء أثناء الحمل حتى ينمو الجنين وقدراته العقلية بصورة طبيعية وسليمة، وهذه العناصر هي:
• الحديد.
• الزنك: وهو عنصر مهم لتكوين المادة الوراثية DNA، ومهم أيضًا لتكوين الجهاز العصبي والعقلي للأطفال، وهو متوفر في اللحوم والبقوليات.
• مجموعة فيتامين B: ومنها الـ B12 المفيد في التطور العقلي عند الأطفال، وهو متوفر في اللحوم والأسماك وباقي المصادر الحيوانية، ومن أهميته يجب التأكد من عدم إصابة الحامل بنقص مستوياته في الجسم عبر الفحوصات والتحاليل الخاصة به.
• البروتين.
• الدهون من الأوميجا 3: وهي موجودة في الأسماك بصورتين هما APA وDHA، كما أنها متوافرة في بعض المصادر النباتية مثل المكسرات وبذور الشيا.
• الكولين: وتم اعتباره من العناصر الغذائية الضرورية منذ العام 1998م، واعتُبر أيضًا من أشباه فيتامين B، وهو عنصر غذائي مهم جدًا لتكوين وتطور الخلايا العقلية للطفل، وأكثر الأغذية إحتواءًا عليه البيض، من هنا إذا لم تتواجد مشكلات صحية عند الحامل فمن المفضل لها تناول بيضة واحدة يوميًا، أما إذا كانت تعاني من السمنة مثلًا فيمكن لها تناول ثلاث أو أربعة بيضات في الأسبوع. كذلك من الأغذية الغنية بمادة الكولين اللحوم والبقوليات.
وكل ما سبق من عناصر ضروري جدًا للحامل التحصل عليها لكي يتطور النمو العقلي للجنين بصورة طبيعية جدًا وبدون مشاكل، ومن المعروف أن النمو العقلي للطفل يبدأ عادةً منذ تكون الجنين الأول إلا أنه فعليًا يبدأ النخاع الشوكي والدماغ في التشكل والتطور منذ الأسبوع الـ 22 للحمل إلى ما بعد الولادة، وكل العناصر المذكورة لها دور في تكوّن خلايا الدماغ وتكوّن مستقبلات الخلايا أيضًا.
وتابعت “أ. رُبى”: وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لابد من خلق البيئة المحفزة لتنمية قدرات الطفل العقلية بعد الولادة كعامل أساسي بجانب تغذيته السليمة والتغذية السليمة لأمه منذ أن كانت حاملًا وأثناء الإرضاع، فالتغذية والبيئة عنصران يجتمعان مع بعضهما لتقوية وتطوير خلايا وقدرات الطفل العقلية.
هل من أمثلة عملية لأطعمة معينة على الحامل الإلتزام بتناولها لصحة الطفل العقلية؟
تتعدد الأغذية الصحية التي لابد وأن تكون المصادر الرئيسية لحصول الأم على العناصر الغذائية الضرورية المذكورة سابقًا، وكأمثلة عملية نذكر الأطعمة الآتية:
• الأسماك: وبخاصةً سمك التونة الفاتح اللون والمقطع لمكعبات صغيرة، فمن الممكن للحامل تناولها بهذه المواصفات مرتين في الأسبوع لإمداد الجسم بإحتياجاته من الأوميجا 3، وإن استطاعت الحامل التنويع في أصناف الأسماك التي تتناولها فهو شيء جيد وصحي، وتناول الأسماك بهذا العدد من المرات في الأسبوع كافي للحصول على الأوميجا 3 بنوعيه وبالتالي نمو الخلايا العقلية للطفل بشكل سليم.
• التفاح: حيث أنه يحتوي على مادة الكيوسيتين وهي مادة مهمة جدًا للقدرة العقلية للطفل، وإذا لم ترغب الحامل في تناول التفاح فعليها التركيز على باقي أنواع الفواكهة مثل الخوخ أو التوت أو الفراولة وباقي أنواع الفاكهة ذات اللون الداكن فكلها تحتوي على مضادات الأكسدة وبالتالي هي مفيدة غذائيًا للحامل وعقليًا للجنين، والحامل ينبغي عليها تناول ما يتراوح بين ثلاثة إلى أربعة ثمرات فاكهة في اليوم، وترجع أهمية الفاكهة في صحة الجنين العقلية إلى أن خلايا الدماغ كلها محاطة بغشاء من الدهون ومن هنا تؤثر نوعية الدهون المتناولة في نوعية تكوين هذه الأغشية، ولتجنب الدهون المشبعة الضارة يفضل التركيز على الفواكهة لخلوها منها وإحتواءها على الدهون المفيدة الصحية، فهذه الدهون الصحية تساعد في مرونة أغشية الخلايا الدماغية ومن ثَم تزيد قدرتها في إرسال وإستقبال الإشارات العصبية، أما الدهون المشبعة والزيوت والزبد والأغذية المقلية كلها من الأصناف التي يجب على الحامل تجنبها.
• البيض: لأنه غني جدًا بفيتامين D والبروتين والكولين وكلها من العناصر الضرورية للحامل، والبيضة الواحدة تحتوي على 7 جم من البروتين، وبشكل عام تختلف إحتياجات الحامل من البروتين بإختلاف وزنها وطولها وعمرها لكن في المجمل يكفي الحامل شريحة واحدة من اللحم أو السمك أو الدجاج مع بيضة أو جبنة على الإفطار مع تناول البروتين النباتي مرة في الأسبوع مثل العدس، هذا لإلى جانب الحليب يوميًا طبعًا للحصول في النهاية على حاجتها من البروتين.
• المكسرات: وهي مصدر للأوميجا 3 النباتي والذي يعتبر من أهم العناصر الغذائية أثناء الحمل، كما أن المكسرات تحتوي على الدهون الغير مشبعة الهامة للجسم كما أنها تحتوي على نسبة بسيطة من البروتين.
• بذور الشيا أو بذور الكتان: مع ضرورة التأكيد على الحامل عدم زيادة الكمية المتناولة منها يوميًا عن ملعقة صغيرة لأنها تتشرب الماء في الجسم مما يجعلها مصدر للإمساك، من هنا لزم الإنتباه.
ما أبرز النصائح التغذوية للحوامل فيما يخص القدرة العقلية للطفل؟
اختتمت “أ. رُبى” قائلة: النصيحة الأهم للحامل فيما يخص تحسين نمو وتطور القدرة العقلية للطفل هي أن على الحامل الإهتمام والإلتزام بالتغذية الصحية والسليمة قبل وأثناء وبعد الحمل، مع التشجيع على الرضاعة الطبيعية لإحتواء حليب الأم على كل العناصر الغذائية الضرورية لصحة الطفل العقلية ومنها مادة الكولين، هذا كله يجب أن يتحقق جنبًا إلى جنب مع التعزيز البيئي والأُسري المفيد في تنمية مهارات الطفل وقدراته العقلية.