قبل عقود من الزمن كانت بعض الأمراض المزمنة تحكم على الشخص بالعزلة والموت البطيء لعدم وجود علاج لها، أمراض مثل السكري والقلب وارتفاع ضغط الدم، لكن مع تطور الطب وازدياد الوعي اتجاه الكشف المبكر وتطور نوعية الدواء والعلاج أصبح التعايش مع هذه الأمراض أمراً واقعياً ومقبولاً عند كثيرين.
في اقتراح طبي جديد لمدرسة الطب في جامعة تافتس الأمريكية ذكر علماء أن القدرة على التعايش مع مرض السرطان والتعامل معه بجرعات مخفضة من العلاج الكيميائي قد يكون تأثيره أفضل من محاولة القضاء عليه بشكل كلي. ويقوم علاج أمراض السرطان حالياً على استخدام جرعات قوية من العلاج الكيميائي بهدف التخلص نهائياً من الخلايا السرطانية كافة، ومع التأثيرات السلبية للعلاج الكيميائي وما تحمله من مضاعفات مدمرة كإجهاد الجهاز المناعي أو فقر الدم الحاد يُرجح هؤلاء العلماء أن الجرعات القوية قد تعمل على استشراء السرطان بالفعل لأن الخلايا الخبيثة ربما تستغل المناعة الضعيفة للإنسان فتنتشر في جسمه. التجربة التي طُبقت على فئران مصابة بسرطان الثدي وجدت أن الاستمرار في معالجة السرطان بجرعات علاجية أقل قوة من الجرعة الأولى تجعل السيطرة على النمو الخبيث للخلايا ممكنة وبالتالي يكون استهدافها مُركز أكثر. وتشير نتائج أبحاث علمية إلى أن استراتيجية العلاج يمكن أن تكون تكييفيه وتؤدي إلى حياة طويلة خالية من سرطان الثدي على سبيل المثال، ويعمل العلماء على تطبيق سلسلة من التجارب على الفئران للتأكد من النتائج بشكل أوضح على أمل أن يُتاح تطبيق هذه الطريقة الجديدة للعلاج على الإنسان قريباً.
إن تم تشخيص مرض السرطان فما هي المراحل التي يحتاج إليها المريض في العلاج؟
أوضح “د. هيثم الصالحات” (استشاري جراحة الأورام والمدير الطبي لقسم الأورام في مستشفيات النور) أنه بعض إجراء التشخيص وتحديد المرحلة التي وصل إليها المرض بعدها يتم تحديد نظام العلاج المناسب هل هو علاج كيميائي يتبعه جراحة ومن ثم إشعاع إذا تطلب الأمر، أم هو جراحة ثم علاج كيميائي ثم إشعاع، أم جراحة إشعاع، وبعض المرضى يحتاج مجرد علاج كيميائي وإشعاع فقط. كل ذلك يعتمد على نوع الورم فليست كل الأورام الخبيثة تطلب نفس العلاج حيث أن كل عضو في الجسم له علاجه الخاص.
ما هي الحالات التي تحتاج إلى العلاج الكيميائي حيث أنه أكثر العلاجات ارتباطاً بالذهن عن الحديث عن الأورام السرطانية؟
أوضح “د. هيثم الصالحات” أن الحالات التي وصل فيها الورم إلى مراحل متقدمة كالمرحلة الثانية والثالثة والرابعة تتطلب علاج كيميائي، ولكن هذا ليس في المطلق فعلى سبيل المثال في بعض حالات سرطان الثدي يكون الورم بحجم ٢-٤ سم ففي هذه الحالة قد لا يحتاج إلى علاج كيميائي، يتم عمل دراسات جينية على الورم فنكتشف أن الفائدة العامة للعلاج الكيميائي قليلة جداً مقارنةً بضرر العلاج الكيميائي القوي حيث أن العلاج الكيميائي من المعروف أنه يقضي على أشياء كثيرة بالجسد مثل الجهاز المناعي والقلب في بعض الأحيان والأعصاب الأيدي والأقدام، لذلك يتم الموازنة بين الفوائد والأضرار ومن ثم يكون القرار. المرضى الأكثر استفادة من العلاج الكيميائي هم من وصل بهم المرض إلى المرحلة الرابعة.
هل نفهم من هذا أن العلاج الكيميائي لا يقضي على السرطان والخلايا السرطانية ولكنه ربما يعطي فرصة للمريض لكي يتعايش مع المرض؟
أضاف “د. هيثم” أن ذلك في حال الحالات التي وصل فيها المرض إلى مراحل متقدمة، أما في الحالات البدائية فقد أثبت العلم أنه إذا خضعت للعلاج الكيميائي قبل الجراحة فإن نسبة ٢٧٪ من المرضى في العالم يصلوا إلى التعافي التام من الخلايا السرطانية.
الجهاز المناعي يلعب دور كبير خاصة في معالجة السرطان وأيضاً في الوقاية وما يخص العلاج. ماذا عن هذا المقترح الطبي الجديد الذي يطرح فكرة التعايش مع مرض السرطان بدلاً من القضاء عليه؟
أوضح “د. هيثم الصالحات” أن هذا المقترح من الأفكار الجيدة جداً، ومعظم الأطباء يستخدمون هذه الفكرة في التعامل مع المرضى حيث يتم التفسير للمريض أن من يصاب بمرض السرطان مثله كمثل الذي يصاب بمرض السكري لابد أن يكون هناك تعايش مع المرض فهو بمثابة حرب بين المريض والمرض، يستمر المريض على الدواء ولكن يتم إيقاف الدواء من فترة لأخرى بحيث يكون العلاج بجرعات أقل، ففكرة تقلص الجرعات تعتبر مبادرة جيدة جداً تحتاج إلى دراسة لمعرفة أي الأورام يمكن أن تستفيد من تقلص الجرعة.
ماذا عن الدعم النفسي وكيف نخبر للمريض أنك لن تُشف من السرطان ولكن عليك أن تتقبل فكرة أن تتعايش مع هذا المرض؟
أوضح “د. هيثم” أن الطريقة التي يتم تفسير ذلك للمرضى بها هي أن هناك نقطة مهمة يجب أن يفهمها المريض وهي أن يفرق بين الحياة والموت وبين الحياة، فعلاج السرطان الذي وصل إلى مراحل متقدمة هو مناقشة لكيفية أن يحيا المريض حياة جيدة ليس بها آلام وليست مناقشة لمسألة الحياة والموت. فمن المعروف أن العلاج الكيميائي يُنهك الجسد فإذا قللنا من الجرعات بحيث يطول العلاج ولكن بكمية أقل من إنهاك الجسد فسيكون ذلك أفضل بكثير.
ماذا عن فكرة العلاج المناعي؟ وهل يمكن اعتبار هذا العلاج كوقاية من مرض السرطان؟
أكد “د. هيثم الصالحات” أن العلاج المناعي يساعد على الوقاية من الإصابة بالسرطان لكن ليس كل الأمراض لها علاج مناعي، فهذا قد يفلح في حال سرطان الرحم ولكن لا يفلح في حال سرطان الثدي، فهذا يعتمد على نوع الورم فهناك أورام لها علاج وقائي وهناك أورام لها علاجات استكشاف مبكر وهذا يتم عن طريق التوعية بأن هذا المرض متواجد ومنتشر ولابد من الفحص لاكتشافه في مراحله الأولى لأن في حال تم اكتشاف المرض مبكراً فإن نسب النجاة من الوفاة بسبب الأورام الخبيثة قد تصل إلى ٨٢٪.
هل هناك من جديد فيما يخص علاج مرض السرطان كسرطان الرئة والرحم والدم وغيرهم؟ أم مازال الحديث يقتصر على العلاج الكيميائي وما شابه؟
أوضح “د. هيثم” أن حالياً أصبح هناك أسلوب علاجي لكل ورم بحد ذاته وتسمى مراحل علاجية مختلفة وأدوية مختلفة ويتغير العلاج من علاج كيميائي إلى علاج ذكي، فعلى سبيل المثال كان قديماً يتم القضاء على جيوش الخلايا السرطانية ككل ويحدث في سبيل ذلك خسائر مدنية أما الآن فصار هناك علاج ذكي حيث يدخل هذا العلاج إلى الخلية السرطانية نفسها فيتم القضاء عليها بحد ذاتها فقط مما يقلل من المشاكل التي تنعكس على الجسد.