تعتبر الغيرة من المشاعر الطبيعية جدًا والموجودة لدى جميع البشر، والتي تتولد نتيجة رؤية أشخاص مميزين أو ناجحين، فيشعر الإنسان بالغيرة والرغبة في أن يصبح مثل هؤلاء الأشخاص.
ولكن هذه الغيرة كما لها تأثيرات إيجابية من ناحية تطوير الإنسان لذاته ومحاولة التقدم والنجاح، فإنها أيضًا تحتوي على بعض التأثيرات السلبية إذا زادت عن الحد المسموح؛ فهي تؤدي إلى فقدان الإنسان لثقته بنفسه وثقته بالآخرين، وقد يصل الأمر إلى إيذاء النفس أيضًا أو إيذاء الغير.
الغيرة
يقول الأستاذ “علي اليماحي”، مدرب التنمية الذاتية، أن الغيرة هي شعور طبيعي موجود لدى الإنسان سواء كان ذكر أو أنثى، وهي تتولد لدى الإنسان عندما يرى أشخاص أفضل منه، فتدفعه الغيرة للرغبة في أن يصبح مثل هؤلاء الأشخاص. إضافة لذلك فإن الغيرة تعني الرغبة في امتلاك الأشياء الغير موجودة والخوف من فقد الأشياء الموجودة.
تابع أ. “علي” أن الغيرة في بعض الأحيان تزداد عن الحد المعقول، وتسمى وقتها بالغيرة المرضية. وهذا النوع من الغيرة قد يدفع الإنسان إلى تدمير نفسه أو تدمير غيره وخلق المشاكل.
كما أضاف الأستاذ أن الغيرة المرضية تجعل الإنسان يفقد الثقة في نفسه وفي كل الأشخاص من حوله.
ولكن على الجانب الآخر فإن الغيرة ليست سلبية في جميع الحالات، وإنما هي في بعض الحالات تكون ذات تأثير إيجابي وتدفع الإنسان إلى النجاح والتقدم، وهذا عند الاقتداء بالأشخاص الناجحين ومحاولة الوصول إلى ما توصلوا إليه من نجاح.
أسباب الغيرة بين الأخوات
ومن الجدير بالذكر أن الغيرة بين الأخوات موجودة منذ قديم الأزل، ومثال على ذلك هي قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته.
بينما الغيرة في الوقت الحالي بين الأخوات تنشأ من تفريق الأهل بين الأبناء وتمييز أحدهم على الآخر بدون سبب واضح، ومن هنا تتولد الغيرة بشكل طبيعي بين الأبناء الآخرين نتيجة هذا التمييز الواضح، ولكن يجب معاملة الأبناء جميعًا بنفس الأسلوب ونفس المعاملة حتى لا تنشأ هذه الغيرة، وفي حالة تمييز أحد الأبناء لا بد من توضيح السبب الرئيسي لهذا التمييز ولكن مع مراعاة عدم استخدام أسلوب المقارنة أبدًا بين الأبناء.
يؤكد أ. “اليماحي” أن فقدان الثقة في النفس تعتبر سبب رئيسي من أسباب الغيرة. وذلك لأن الإنسان الواثق من نفسه يكون لديه اقتناع تام بأنه لا بد من وجود أشخاص مختلفين ومميزين عن أشخاص آخرين في الحياة، كما يكون لديه اقتناع بوجود اختلاف في القدرات والمهارات بين البشر.
ولذلك إذا آمن الإنسان بوجود توزيع عادل في الأرزاق بين بني البشر فإنه يصبح مطمئن النفس ويتمنى الصلاح والتوفيق لغيره.
أما إذا فقد الإنسان ثقته بنفسه فإن الغيرة سوف تؤثر عليه تأثير سلبي بشكل كبير، كما أنها قد تدفعه إلى إيذاء غيره.
مما لا شك فيه أن الإنسان الغيور يتحول تركيزه دائمًا إلى الأشخاص الآخرين بدلًا من التركيز في نفسه، وبالتالي فإن هذا الغيور يقوم بإهمال نفسه وإهمال قدراته ومهاراته ومميزاته، كما أنه يشعر بالنقص تجاه نفسه عند مقارنة نفسه بالغير.
وهذا يؤدي إلى الانطواء والبعد عن الناس، أو الاندفاع نحو الآخرين ومحاولة تقليدهم حتى يصبح مثلهم، مما يدفعه إلى محاربتهم ويصبح أيضًا شخص أناني. كما أضاف “علي” أن من تأثيرات الغيرة هي نقل السلبيات والشائعات عن الآخرين.
كيف يتخلص الإنسان من الغيرة المرضية؟
كما يقول أ. “اليماحي”، أن الإنسان يجب عليه التركيز على نفسه وعلى حياته بدلًا من الآخرين، وتحديد ومعرفة مميزاته وصفاته الإيجابية ونقاط القوة لديه؛ سواء في العلم أو المال أو الجسد، وعندما يدرك الإنسان جميع النعم الموجودة لديه فإنه سوف يشعر بالامتنان وسوف يشكر الله تعالى على جميع هذه النعم.
وهذه الطريقة تساعد في رفع مستوى الوعي الذاتي لدى الإنسان بنفسه وبالتالي تزداد ثقته في نفسه ويتخلص من شعور الغيرة.
يُقال أن الغيرة تعتبر هي أساس الحب بين البشر، ولكن الحب يعني أن تتقبل الإنسان كما هو وعدم المحاولة لتغيير صفاته.
وتابع “علي”: في حالة وجود غيرة بين الأزواج فإنه يجب تقوية هذا الجانب الذي يشعر فيه الشخص بالغيرة، وإعطاء الطرف الآخر شعور الثقة بالنفس، إضافة إلى الحب والتقدير والاهتمام، وإقناع الطرف الآخر بأن علاقة الحب سوف تظل موجودة ولن يؤثر عليها طرف ثالث، وبالتالي يزداد الوعي ويقل الشعور بالغيرة وتقوى العلاقة الأسرية ويزداد استقرار الأسرة.
كيف يمكن التعامل مع الإنسان الغيور؟
أردف أ. “اليماحي”، أنه عند التعامل مع شخص غيور فيجب أولًا مدح هذا الشخص وإبراز لديه الأشياء التي يشعر ناحيتها بالنقص، كما يمكن استشارة هذا الشخص وأخذ رأيه في بعض الأمور، وبهذه الطريقة تعطي هذا الشخص شعور بالاهتمام.
بينما إذا كان الشخص يعاني من الغيرة العدوانية فيجب تجنبه أو الابتعاد عنه ولكن بطريقة لطيفة مع مشاركته في بعض الأمور.
علاوة على ذلك فإنه يجب دائمًا مدح الشخص الغيور والثناء عليه، والتقرب منه عن طريق الجوانب الإيجابية التي يحبها، والابتعاد عن الجوانب التي يشعر بالغيرة منها.
من المؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي هي سلاح ذو حدين، له الكثير من الإيجابيات والكثير من السلبيات، ولكن لسوء الحظ أن الجميع الآن يحاول التركيز فقط على السلبيات.
ومن ناحية أخرى فإننا عند رؤية أشخاص مشهورين وذو حياة سعيدة ومستقرة فإننا نشعر بالغيرة من هذا الشخص ومقارنة حياته مع حياتنا.
ولكن يجب أن نعرف أن كل إنسان له جانب إيجابي وجانب آخر سلبي من حياته، وأن هذا الإنسان يحاول فقط إظهار الجانب الإيجابي من حياته للآخرين.
ولذلك يجب عدم تصديق كل ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي لأننا نرى أشياء ناقصة دائمًا لأنه لا يوجد شخص كامل أو شخص يمتلك جميع ما يريد.
ولكن الثقة الحقيقة والسعادة تكمن في أن يكون الإنسان قادر على التأثير في المجتمع وليس إظهار أفضل ما يمتلك.
وأضاف أ. “اليماحي” كلما كان الإنسان قريب من الله -سبحانه وتعالى- في جميع أموره بشكل عام كلما قل لديه الشعور بالغيرة أو عدم الثقة بالنفس.
وذلك لأن الإنسان إذا أحسن الظن بالله عز وجل فإنه سوف يتيقن بأن الحياة متغيرة ولن تستقر على حال واحدة.
ولذلك يجب على الإنسان أن يكون قنوع وراضي وأن يسأل الله دائمًا أن يعطيه من فضله.
ومما لا شك فيه أن الإنسان حتى يشعر بالسعادة الحقيقة فإنه لا بد أن يكون لديه قناعة كاملة بأن رزقه مكتوب ولن يأخذه غيره، ولكن يجب عليه فقط أن يسعى ليكون الأفضل ويحصل على ما يريد، وإذا فاته شيء ما عليه أن يدعو الله تعالى به وعلى بقين بأن الله سوف يرزقه إياه.
علاج الغيرة
ينصح أ. “علي” الإنسان الذي يعاني من نوع من الغيرة بالتوجه إلى شخص مختص بالتعديل السلوكي، وذلك حتى يخلق معه حوار، وبالتالي يستطيع أن يحدد إذا كانت هذه الغيرة مرضية أم لا، وإذا كانت مرضية فإنه يتوجه إلى طبيب مختص لعلاجه.
ولكن النقطة الرئيسية هي اكتشاف وجود هذه الغيرة، وبالتالي إذا كانت هذه الغيرة زائدة عن الحد أو تسبب وجود مشاكل فإنها بالطبع تحتاج إلى تدخل وعلاج لدى مختص نفسي.
ختامًا، من الجدير بالذكر أن الدورات التدريبية ساعدت بشكل كبير على تغيير وتعديل السلوكيات لدى الكثير من الأشخاص؛ حيث أن هذه الدورات تساعد في نشر أشياء إيجابية لدى الأشخاص، وبالتالي يزداد لديهم الوعي الذاتي والايجابية، وتقل السلبية، ويزداد الشعور بالسعادة.
كما تستمر هذه السلوكيات الإيجابية لدى الشخص مدى الحياة ويمارسها في الخفاء بينه وبين الله عز وجل بالأفعال وليس بالكلام.