التحلي بالثقة في النفس مهم في رسم معالم شخصيتك ونجاحك في المجتمع، فكيفية التعامل مع أنفسنا تحدد كيفية تعاملنا مع الغير والعكس صحيح، ومع ذلك فكثيرًا ما نفشل في تحديد الفوارق العديدة بين الثقة في النفس الزائدة والوقاحة، أو لا نستطيع أن نفهم كيف يمكن أن تكون أفعالنا وردود فعلنا مع شخص دون الآخر.
كيف يمكن للشخص أن يفرق بين الثقة الزائدة بالنفس والوقاحة؟
يقول المستشار النفسي الدكتور “عبدالناصر علاء” أن الوقح لا يأخذ باله من كلماته وتصرفاته وسلوكياته، دائمًا يكون أهم شيء عنده ذاته فقط، أناني جدًا، حتى عندما يقول شيئًا تجده يقول أنا أقول ذلك لأني صريح، فهو لا يستطيع أن يفرق بين الصراحة والوقاحة، فهناك فرق بين أن أقول لشخص: أنت عندك صفة جميلة، فهذه صراحة، لكن إذا كان لدى شخص مشكلة معينة وقلتها له بشكل مباشر بدون أي لباقة في الكلمات هذا يسمى وقاحة.
فالوقاحة هي عدم اختيار الألفاظ بشكل سليم، واختيار الألفاظ الجارحة، ونحن نحاول أن نقول للناس أنه ليس معنى أنك تثق بنفسك أن تجرح مشاعر الناس، فالانسان الوقح هو أكثر الناس قدرة على جرح مشاعر الناس، ويصدر منه كل السلوكيات الخاطئة التي تؤذي الناس، ثم ترتد له مرة أخرى.
هناك أشخاص تبرر الوقاحة بأنهم لا يستطيعون المجاملة وتجميل الكلام، كيف نفرق بين ذلك؟
وتابع د. “عبدالناصر علاء” أنه في هذه النقطة بالتحديد هناك مثل في مصر إذا أراد شخص أن يصف نفسه بالصراحة يقول: “أنا أقول للأعمى أنت أعمى بدون مجاملة”، هذه وقاحة وليست صراحة، فالصراحة هي أن تكون شخص طيب في كلماتك، رقيق في استخدام الألفاظ التي تتكلم بها، الصراحة هي أن تضع دائمًا مشاعر الآخرين أمام عينك، لأن كل كلمة تقولها تكون شعور عند الآخر، فيجب الالتزام واختيار الكلمات التي تقولها.
كيف يتم التعامل مع الشخص الوقح؟
وأردف أن كثير من الناس يقولون أن التجاهل هو الطريقة المناسبة للتعامل مع الشخص الوقح، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ، فالمواجهة هي الطريقة الصحيحة للتعامل معه، وتسمى في الطب النفسي “تنطيق المشاعر”، يعني إذا قال لك الإنسان الوقح كلمة أزعجتك يجب عليك أن ترد عليه بشكل مباشر وتقول له: “أنت وقح، ومن فضلك لا تستخدم هذا اللفظ معي مرة أخرى”، هكذا أنا أخبره مره بعد مره أنه ليس من حقك انتهاك حقوقي، أو الاعتداء على مشاعري، وبالتالي أنا هكذا أصلح من أسلوبه وسلوكه وليس فقط أوقفه عند حده، فمع الوقت يبدأ في التغير.
ما التصرف الصحيح عندما يبدأ الشخص الوقح في المجادلة والدفاع عن وقاحته؟
في هذه الحالة أسمعه ولا أرد عليه، وبعد أن ينتهي من كلامه أقول له: “شكرًا جدًا على كل ملاحظاتك، وأتمنى أنك لو عندك ملاحظات فيما بعد أن تخبرني بها”، في هذه الحالة سوف يسكت ولن يتكلم مرة أخرى، فكذا أكون أوقفته عند حده، ولم نصل أنا وهو إلى الجدل، لأن الجدل ليس دائمًا سئ، لكن المشكلة أننا نفهم الجدل بشكل تصادمي، ولكن الجدل شيء جيد يبرز معلومات جديدة وأفكار جديدة.
أي إنسان في العالم نستطيع التحدث معه إلا شخص واحد، الذي يستخدم دائمًا ألفاظ سيئة، دائمًا قليل الأدب في ألفاظه، هذا هو الشخص الوحيد الذي لا يستحق أن نتحدث معه، ونسميه في الطب النفسي “الشخصية المضادة للمجتمع”، يعني يخالف الأعراف والعادات والتقاليد والذوق العام والأدب، هو دائمًا يخالف، ويتبنى قاعدة “خالف تُعرف”، وبالتالي من الأفضل أن تتجنب هذا الشخص ولا تتناقش معه.
هل تنشأ الثقة في النفس أو الوقاحة أو الغرور منذ الصغر؟
وأكد الدكتور أنه كل صفاتنا الإنسانية تنشأ منذ الصغر، فهي ليست صفات فطرية نولد بها، بل نكتسبها من الأب والأم، وتبدأ هذه الصفات تتشكل من عمر خمس سنوات، قبل ذلك لا تكون ملامح الشخصية واضحة، لكن من عمر خمس سنوات فما فوق يتم اكتساب الصفات الشخصية مثل الثقة واستحقاق النفس وهو تقبل النفس والمحافظة عليها، الثقة بالنفس تغير مفهومه حاليًا وأصبح اسمه استحقاق النفس، وهو أن أقبل كل شيء في شخصيتي حتى الصفات غير الجيدة، لأن ذلك يجعلني أعدل تلك الصفات، وهذه المرتبة تعتبر أعلى من مرتبة الثقة بالنفس.
كيف نصل إلى مرحلة استحقاق النفس؟
بالتدريب والقراءة والمستمرة، والتسامح بشكل مستمر مع أي ذلة أو خطأ يصدر من الشخص، فالإنسان دائمًا معرض للخطأ لأنه ليس إلهًا، السينما الأمريكية صورت لنا صورة البطل الخارق، نصف الإله أو السوبر مان، لكن الإنسان غير ذلك، الإنسان به أخطاء كثيرة وعيوب كثيرة، فالإنسان بطبعة قاصر ليس لديه المهارات الغير محدودة والقوة الغير متناهية، نحن كبشرعندنا قصور ولا بد من إحترام قصورنا، إذا احترمنا ذلك سنصل إلى الثقة بالنفس ثم استحقاق النفس.
كيف يمكن أن نعلم الطفل كيفية التعامل مع الشخص الوقح؟
وأكمل أنه يجب علينا أن نعلم الطفل ألا يرد اللفظ بلفظه، ثم يطلب من شخص أكبر منه أن يتدخل، فإذا وجد الطفل شخص أمامه يتكلم بأسلوب سئ، والطفل يريد الهجوم عليه، هنا يجب أن نبلغه أنه إذا وجد نفسه أنه منزعج من كلام شخص أمامه يجب أن يطلب من شخص أكبر منه أن يتدخل، مثل الأب أو الأم أو العم أو أي شخص كبير، لكن لا يرد هو.