حين تتحدث عن التصوف يستنجد كثير ممن يسيئون الظن بمدارس التصوف بنموذج ابن عربي ووحدة الوجود. مع إن مفاهيم وحدة الوجود التي قال بها ابن عربي وغيره في التاريخ الإسلامي، ووصلوا بها إلى نتائج لا علاقة لها بالدين الإسلامي، كانت مفاهيم غريبة عن الروح الإسلامية، أنكرها أصحاب العلوم الشرعية كما أنكرها المتصوفة أنفسهم، غير أن تلك المقولة بقيت فزاعة يستعملها الكثيرون للتخويف من مدارس التصوف ومفاهيمه.
حين تحدث الشوكاني مرة عن «الوحدة» في الدين والتراث الإسلامي، قدم ثلاثة أنواع من الوحدة وجدت في تاريخ التصوف والتهذيب: وحدة المقصود، ووحدة الشهود، ووحدة الوجود، وأوضح أن وحدة المقصود تعني أن الإنسان يجعل مقصوده في كل أحواله وتعاملاته وأشغاله مرادا واحدا، هو الله ﷻ، لا مراد له غيره، يرجو رضاه ويبحث عن محبته.. وذلك نوع شريف لا يختلف فيه المسلمون.
ووحدة الشهود درجة أدق من وحدة المقصود وأقرب إلى روح التصوف، وقد يختلف فيها الناظرون، بل قد يختلف بعض أئمة التصوف في ممارسة المسلم لها، وهي أن يجعل الإنسان مشهوده واحدا، وهو الله ﷻ فلا يرى غيره ولا يرى في نفسه سواه، فهو «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» وألا ترى في مشهودك الوجداني غيره ﷻ.
أما وحدة الوجود فهي تلك المقولة التي أدخلها ابن عربي وغيره لتراث العلوم الروحية في الإسلام، في أن الوجود كله واحد.. حتى زعم بأن من عَبَدَ أي شيء فقد عِبَدِ الله، وهذا لا شك شيء آخر غير الإسلام.
إن درجات تلك الوحدة وأقسامها كانت مراحل من تهذيب النفس وتزكيتها في الدرجتين الأوليين غير أن التطرف الفلسفي والتأثر بأديان الهند والشرق الروحية، أورثت القائلين بوحدة الوجود لوثة لا يعرفها الإسلام.
وفي تعليق الشوكاني على أنواع الوحدة، يذكر أن وحدة المقصود غرض مطلوب للمسلم مرغّب فيه، وأن وحدة الشهود درجة يختلف حكمها باختلاف معناها عند العبد، وأن وحدة الوجود مقولة باطلة.
هذا التصوف المقتصد، كما يسميه ابن تيمية، كان حاضرا ومؤثرا في التاريخ الإسلامي عبر إرشاده لتقويم السلوك وتزكية النفوس، وكان شجرة عريضة من المفاهيم والتصورات، وكما أنه ليس معصوما فإنه لا ينبغي أن يكون مهضوما ولا مظلوما.
بقلم: عبدالله العودة