قال الحسن البصري – رحمه الله ﷻ: «إنَّ هذه الفتنة إذا أقبلت عَرفَها كلُّ عالِم، وإذا أدبرت عرفها كلُّ جاهل». قٌلْتُ: ما أصدقَ الكلمة هذه التي لا يعرف معناها ولا يدرك مغزاها إلا المسلم المُتَرَيِّث المتأنِّي المتبصِّر بعواقب الأمور، الذي لا يتعجل في اعْتِسَافِ النَّتائج، ولا يتلمَّظ في اقتطاف الثمر قبل أن يبدوَ صلاحه؛ لذلك مدح الرسول ﷺ صحابياً لأنَّ مِن خُلقه التَّأنِّي والتُّؤَدَة والمُهلة، وهو أشَجُّ بن عبد القيس -رضي الله عنه-.
قال عنه رسول الله ﷺ: «إنَّ فيك لَخَصْلتين يحبهما الله، الحِلم و الأناة»، وفي رواية: «الحلم والتؤدة»، فهو لا ينساق وراء الفتن ولا تُؤثر فيه المحن، ولا يرفع شعاراً بالتَّأييد ولا يُطلق لساناً بالتَّرديد ولا يخوض مع الخائضين بالتنديد، بل يعكف على التَّدبُّر والتَّرقب إذا نزلت بالمسلمين مُلمَّة وغشيتهم بلِيَّة ونالتهم رَزِيَّة، وكم مِن نازلة وبائِقةٍ نزلت بالمسلمين إلا وتجد كثيراً منهم يُسارعون في تأييد هذه الحادثة والسَّير في ركابها، وتجد أهل الأهواء والأغمار سرعانَ ما يتأثرونَ ويتحوَّلون مِن مذهب إلى مذهب ويَتَلَوَّنُون مِن طريقةٍ إلى أخرى.
واقرأ هنا: كيف يتصرف المسلم مع ظهور الفتن؟
وما أجمل كلام الحافظ ابن بطة العكبري الحنبلي في (الإبانة): «والناس في زماننا هذا أسراب كالطير؛ يتبع بعضهم بعضاً، لو ظَهَرَ لهم من يدَّعي النُّبوة مع علمهم بأنَّ رسول الله ﷺ خاتم الأنبياء، أو من يدعي الربوبية لوَجَدَ على ذلك أتباعاً وأشياعاً».
قال شعبة: «انتهيت إلى الحسن البصري قالَ: كلما نَقَرَ كلبٌ أوْ ديكٌ تبِعْتموه».
والقلب الفارغ من ذكر الله ﷻ وخشيته يتأثر بأيِّ شبهة أو ضلالة أو عشق كما قال ابن القيم -رحمه الله -:
«فإنَّ القلب إذا خلص و أخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور؛ فإنَّه إنما يتمكن مِن قلبٍ فارغ كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعْرِفَ الهوى
فصَادف قلباً خالياً فَتَمَكَّنا
نسأل الله أن يثبتنا على السنَّة، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
بقلم: الشيخ حاي بن سالم الحاي