هل أُصيب العالم بهوس التجميل؟
قال دكتور “خالد سامي” مدرس جراحة التجميل بطب عين شمس. الهوس بالتجميل سواء البوتكس الجراحي أو غير الجراحي لا يقتصر على طبقة مجتمعية بعينها ولا على شريحة لها قدرة شرائية محددة، بل يصيب الهوس بالإجراءات التجميلية كل الفئات العمرية وكل طبقات المجتمع الثقافية والمعيشية والمادية ولكلا الجنسين.
والأمر عام على مستوى العالم وليس المنطقة العربية فقط، هذا الهوس شجع مجلة نيويورك تايمز الشهرية على الخروج بمانشيت رئيسي في أكتوبر من عام 1997م تُحذر فيه من إختفاء البوتكس، هذا المانشيت أثار موجة من الذعر والتساؤلات.
ولتخفيف حدة الذعر وبخاصةً بين الأمريكيات اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات الرقابية والتصنيعية لتعود بعده النيويورك تايمز أيضًا بمانشيت جديد في نوفمبر من نفس العام يُطمئن الناس بتوافر البوتكس في الأسواق.
ومن زاوية أخرى أكد موقع (المجتمع اليوم Community today) في دراسة واقعية على زيادة عدد عمليات التجميل المنفذة على الأطفال من سن 12 عام مثل عمليات تكبير الشفاه والثدي وسمانة الساقين…. إلخ، وأرجع سبب الزيادة إلى محاولة هؤلاء الأطفال التقليد الشكلي لمشاهير المجتمع وخاصةً بعد التوسع الرهيب في إستخدام مواقع التوصل الإجتماعي.
ولم تغفل الدراسة بيان حالة الأطفال العرب وأقرت بتطابق النتائج البحثية النهائية لهم بالنتائج المستخلصة من دراسة الأطفال في الدول الغربية.
ومما سبق ذكره يتضح جليًا عمق وتجذّر الهوس التجميلي في كل المجتمعات والثقافات والأعمار على اختلافهم جميعًا.
وأكد “د. خالد” على أنه لا مانع من تنفيذ الجراحات والإجراءات التجميلية لأية فئة عمرية طالما توفر السبب الطبي الباعث على التجميل، أما المذموم فهو الهوس بالتجميل لمجرد التقليد والغيرة دون حاجة طبية مُلحة، أو التجميل لمجرد الإعتقاد أن الأجمل يقتنص فرص حياتية أفضل.
فبهذه الكيفية يتم ترسيخ مجموعة من القيم الأخلاقية المقيتة التي تتمحور هو تحويل الإنسان إلى مجرد سلعة تتحدد قيمتها في مظهرها الخارجي دون إعتبار لمحتواها الداخلي كالأخلاق والثقافة والإنتاجية وخلافه.
وعلى الجانب الآخر تسبب الهوس التجميلي في تحويل مجال طب التجميل إلى موضة تجارية تخضع لقواعد العرض والطلب بعد أن كان ذا هدف طبي في تحسين جودة حياة الفرد وإعادة بناء جسمه بعد الإصابة بعارض صحي كالحروق أو الشيخوخة وما إلى ذلك.
ما هي أكثر الإجراءات التجميلية ترفًا؟
كل إجراء تجميلي لا يحتاجه المريض أو العميل يُعد نوعًا من الترف والبذخ لا قيمة له، فالهدف من عمليات التجميل إما التغلب على مشكلة قائمة بالفعل، وإما للوقاية من مشكلة مستقبلية ما لبثت مقدماتها في الظهور.
فمن يعاني من التجاعيد يمكن علاجه بالبوتكس وكذلك من بدأت تظهر عليه خطوط خفيفة كمقدمة للتجاعيد في المستقبل، أما المعافى تمامًا من التجاعيد ومقدماتها يعتبر حقنه بالبوتكس من دروب الترف والهوس الغير مبرر.
وفي النهاية يعتبر الجمال أمر نسبي ومختلف تبعًا لمجموعة كبيرة من العوامل الشخصية والثقافية والمجتمعية، فمع بعض المجتمعات تعتبر السيدة النحيفة رمز للجمال، ومع ثقافات أخرى تعتبر البدينة نوعًا ما (المدملكة) رمز للجمال.
والطبيب الأمين والماهر لا يلهث وراء الإغراءات المادية دون الحاجة لإجراء العملية التجميلية من ناحية، ومن ناحية أخرى لا يُدخل أهواءه وآراءه الشخصية في الحكم على مستوى جمال الأنثى الراغبة في التجميل، بل يُخضع الحالة التجميلية الموجودة بين يديه إلى معادلات ومحددات طبية تشير في النهاية إلى ضرورة أو عدم ضرورة إتمام تنفيذ الإجراء التجميلي المطلوب.
هل تتسبب الإجراءات التجميلية الغير مسببة في أضرار صحية؟
أوضح “د. خالد” أن تنفيذ أية خدمة طبية بدون سبب طبي له أضرار لا محالة، وللتدليل بمثال عملي نذكر ما قام به أحد أشهر الأطباء البريطانيين الذي قام بإستئصال الثدي للعديد من السيدات ومنهم الممثلة الأمريكية انجيلينا جولي لمجرد الشك في إمكانية إصابتهن بأورام الثدي في المستقبل، ولم تتوانى الجهات الرقابية الإنجليزية في وقف هذا الطبيب عن العمل وإحالته إلى المحاكمة لأنه قدم خدمة طبية بدون دليل طبي.
لأن الطب يتعامل مع محددات واقعية لها أعراض ظاهرة على الجسم البشري سواء كانت هذه الأعراض في مراحلها المبكرة أو النهائية، ولا تتعامل علوم الطب بمجرد الشك أو التخمين والتوقع.
وإذا طُبقت القاعدة السابقة على مجال طب التجميل يظهر لنا المثال الواقعي لكثير من الفتيات في عمر ما قبل الزواج الراغبات في تكبير الثدي، فالإجراء بحد ذاته مأمون العواقب والنتائج مع كل المراحل العمرية سواء بحقن السيليكون أو بحقن الدهون.
لكن في النهاية يخضع تكبير الثديين إلى معادلات رقمية تُدرَّس في الكليات والمعاهد الطبية، وطبقًا لهذه القياسات الرقمية إذا وُجدت ضرورة للتكبير بالنظر إلى ملائمة حجم الثدي لباقي قياسات أجزاء الجسم فلا مانع، أما إذا تناسب حجم الثدي مع أجزاء الجسم من الناحية الطبية فمن الأمانة العلمية للطبيب الإمتناع عن التنفيذ وإن أصرت الفتاة وألحت.
ونشير هنا إلى إتجاه كثير من النساء إلى حقن الفيلر في الثدي لتكبيره، وهو بالأمر الخطير لعدم توافر الدراسات العلمية المُثبتة لأمان الإجراء وأمان الآثار الجانبية مستقبلًا، ويعتبر التكبير بالسيلكون هو الأفضل طبيًا حيث أنه يُعطي حجم ثابت للثدي، وشكل وإستدارة أفضل، كما أنه آمن إلى درجة كبيرة.
ولكن لا يفوتنا ذكر بعض مخاطره التي تظهر على المدى الزمني الطويل مثل:
التأثير على الإحساس في الثديين.
قد يتغير شكل الثدي بعد عدد من السنين.
بعض أنواع التصوير بالأشعة لا تجدي في توضيح أعراض معينة مع الثدي المحقون بالسيليكون، ولكن هذه الأنواع لها بدائل أخرى لا تتأثر بسيلكون الثدي.
وبشكل عام لا يوجد للسيلكون أية خطورة من ناحية الإصابة بالأورام السرطانية أو من ناحية الرضاعة الطبيعية في المستقبل.