عملية البناء الضوئي هي إحدى العمليات الحيوية الضرورية، وهي ليست مجرد فكرة علمية تُدرس للطلاب، فستموت معظم الكائنات الحية بما فيها الإنسان لولا قدرة النباتات على تحويل أشعة الشمس وثاني أكسيد الكربون والماء إلى جلوكوز وأكسجين نقي.
ولا يمكن لأي عملية حيوية أخرى أن تقوم بنفس وظيفة البناء الضوئي. تطورت عملية البناء الضوئي منذ 450 مليون سنة، ولا يمكن اعتبارها سهلة للفهم؛ حيث تعتبر عملية البناء الضوئي عملية في غاية التعقيد، ولكن لا بد من التعمق بها وفهم كافة تفاصيلها.
التفاعلات التي تتم في عملية البناء الضوئي
هناك نوعان من التفاعلات التي تتم في عملية البناء الضوئي:
- التفاعلات الضوئية.
- التفاعلات اللاضوئية.
ومن السهل فهم الفرق بين هذين النوعين من التفاعلات؛ حيث يطلق على التفاعلات الضوئية كالفن.
إن عملية البناء الضوئي هي معاكسة تماماً لعملية التنفس الخلوي؛ وسبق أن تحدثنا عن التنفس الخلوي في موضوع آخر.
المكونات اللازمة لعملية البناء الضوئي
وهي الماء وثاني أكسيد الكربون وأشعة الشمس، فكيف تحصل النباتات على هذه المكونات؟
المكون الأول وهو الماء؛ نفترض أننا نتحدث بالتحديد عن النباتات الوعائية؛ وهي النباتات التي تمتلك نسيجاً وعائياً يُشبه الأنابيب لإيصال الماء والمعادن والمواد الأخرى إلى أجزاء مختلفة من النبات.
وهذه النباتات تشمل؛ الأشجار والحشائش والنباتات المزهرة، وفي هذه الحالة فإن جذور النباتات تمتص الماء أو ترسله إلى الأوراق من خلال ما يعرف بالنسيج الوعائي الخشبي.
ويدخل ثاني أكسيد الكربون إلى داخل النبتة ويخرج منها الأكسجين عبر مسام صغيرة في الأوراق تُسمى الثغور، ومن المهم أن تبقى مستويات الأكسجين في أوراق النبتة منخفضة لأسباب سنتطرق إليها لاحقاً.
وأخيرا يتم امتصاص الفوتونات الفردية القادمة من الشمس في بواسطة صبغة تُسمى الكلوروفيل.
وكما ذكرنا في الموضوعات السابقة فإن الخلايا النباتية تتميز عن الخلية الحيوانية بامتلاكها للبلاستيدات، وأهمها البلاستيدات الخضراء، وهي ليس كما يظنها البعض بصبغة الكلوروفيل؛ فهي عُضيات ذات بنية داخلية معقدة بأقراص غشائية تُسمى الثايلاكويدات، وتكون مكدسة فوق بعضها البعض. ويوجد داخل الثايلاكويدات تجويف ويحيط بها سائل الحشوة أو استروما.
تتألف أغشية الثايلاكويدات من دهون مفسرة ثنائية الطبقة، وهذا النوع من الأغشية هو قادر على الحفاظ على فرق تركيز الأيونات والبروتينات والمواد الأخرى على جانبي الغشاء.
وهذا يعني أن تركيز أحد الجانبين سيكون أعلى من الجانب الآخر، وكل هذه التفاصيل مهمة.
التفاعلات الكيميائية التي تتم داخل البلاستيدات الخضراء
المرحلة الأولى: الفوتونات
ينشأ الفوتون عن تفاعلات الاندماج النووي في الشمس، وبعد عبوره مسافة 93 مليون ميل سيصطدم بجزيء الكلوروفيل مما يفعل المرحلة الأولى من هذه العملية؛ وهي مرحلة التفاعلات الضوئية، مما يُثبت أن الطاقة الناتجة عن الاندماج النووي هي المصدر الرئيسي للحياة.
وعندما يصطدم الفوتون بالكلورفيل سيمتص الإلكترون هذه الطاقة ويتنشط، وعند اكتساب الإلكترون لهذه الطاقة من الفوتون يطلق عليها الاستثارة الضوئية.
والهدف الرئيسي من عملية البناء الضوئي هو تحويل طاقة تلك الإلكترونات إلى شكل يمكن أن تستفيد منه النباتات.
النظام الضوئية الثاني
لا يعمل الكلوروفيل وحده، فهو جزء من نظام مكون من معقدات بروتينية، ودهنية وجزيئات أخرى يُطلق عليه اسم “النظام الضوئية الثاني”، ويحتوي هذا النظام على 99 مادة كيميائية مختلفة على الأقل، ومنها ثلاثين جزءاً منفرداً من الكلوروفيل.
وهذا واحد من 4 معقدات بروتينية تحتاجها النباتات في التفاعلات الضوئية، وقد يرى البعض أن تسمية المعقد البروتيني الأول بالنظام الضوئي الثاني بدلاً من تسميته بالنظام الضوئي الأول هو أمرُ مرهق بعض الشيء، لذلك يمكن استخدام اسمه الكامل وهو “الكينون الصناعي المؤكسد”.
ولكن هذا الاسم أكثر تعقيداً، فمن الأسهل الإشارة بالنظام الضوئي الثاني، واختصاراً يرمز له بـ PSII.
فالنظام الضوئي الثاني بالإضافة إلى جميع المعقدات البروتينية التي تدخل في التفاعلات الضوئية تخترق غشاء الثايلاكويدات الموجودة في البلاستيدات الخضراء.
والآن هذا الإلكترون الذي تم تنشيطه سيذهب في رحلة مصممة في استخراج كل الطاقة الجديدة التي كسبها الإلكترون، وتحويلها إلى أشياء مفيدة، وهذا ما يُسمى بـ “سلسلة نقل الإلكترون”
حيث يفقد هذه الإلكترون من جزيء الكلوروفيل الإلكترونات النشطة طاقتها في سلسلة من التفاعلات التي تستخدم هذه الطاقة لضمان استمرارية الحياة.
وفي هذه المرحلة يمتلك الكلوروفيل النظام الضوئي الثاني الإلكترون النشط، وعند اقتراب بروتين خاص مسؤول عن نقل الإلكترونات الذي يُسمى “حامل الإلكترون المتحرك” وعند فقدان الكلوروفيل لهذا الإلكترون فهو يحاول جاهداً تعويض هذا النقص.
وذلك بالتعاون مع بقية النظام الضوئي الثاني بعملية في غاية الأهمية والروعة. وهذه العملية هي إنقسام جزيء الماء المستقر جداً، وأخذ أحد إلكتروناته لتعويض الإلكترون الذي خسره، وتكون النواتج الثانوية لانقسام الماء هي أيونات الهيدروجين؛ التي هي عبارة عن البروتون الواحد والأكسجين.
وهذا التفاعل هو ما يسمح لجميع الكائنات بالتنفس والبقاء على قيد الحياة. ونريد أن نعلق تعليق بسيط على الشخص الذي يقول أنا لا أفضل وجود المواد الكيميائية في الطعام الذي أتناوله.
فنريد أن نُذكره أن كل شيء في الكون مصنوع من المواد الكيميائية.
ونوضح له أن مصطلح مواد كيميائية لإ يُرادف مصطلح مواد مسرطنة، فهذه المواد الكيميائية في الغذاء ناتجة عن الكلوروفيل الذي يقضي وقته وطاقته كُلها وهو يصنع الهواء الذي نتنفسه، والغذاء الذي نأكله.
فليس من المنطقي أن نتذمر ونقول: إننا نريد التخلص من المواد الكيميائية.
الإلكترونات النشطة في النظام الضوئي الثاني
معقد السيتوكروم يعمل كوسيط بين النظام الضوئي الثاني والأول.
استخدام جزء بسيط من طاقة الإلكترون لضخ بروتون آخر في الثايلاكويدات، ويبدأ بذلك الثايلاكويد بالامتلاء بالبروتونات التي إما نشأت عن الانقسام المائي، أو نقلها معقد السيتوكروم.
والهدف من ذلك هو شحن الثايلاكويد وكأنه بطارية؛ فمن خلال ملء الثايلاكويد بالبروتونات يتم خلق فرق في التركيز، وبطبيعة الحال ستتنافر هذه البروتينات وتبتعد عن بعضها فتخرج عبر إنزيم موجود في غشاء الثايلاكويد يُسمى جزيء إنتاج ATP طاقة لإضافة فوسفات غير عضوي إلى جزيء ADP لتكوين جزيء ATP الذي يُعد المصدر الرئيسي للطاقة في الخلية.
تحتاج كل العمليات التي تتم في سلسلة نقل الإلكترون إلى الطاقة، وكما هو متوقع فعند تقدم الإلكترونات في هذه السلسلة ستنخفض الطاقة أكثر وأكثر، وهذا أمر منطقي، فقد مضى وقت على اصطدام الفوتون بالكلوروفيل، ومنذ ذلك الحين تم استنفاذ الكثير من الطاقة لضخ أيونات الهيدروجين.
النظام الضوئي الأول
لإنشاء جزيء ATP والانقسام المائي والقفز إلى جزيئات مختلفة، ونتيجة لتطور النباتات عبر 450 مليون سنة يمكن إعادة تنشيط الإلكترون من خلال النظام الضوئي الأول الذي يرمز له بـ PSI.
ويتألف النظام الضوئي الأول من مجموعة من البروتونات وجزيئات الكلوروفيل المشابهة لتلك الموجودة في النظام الضوئي الثاني، ولكن مع بعض النواتج المختلفة.
بعد أن تقوم الفوتونات بإعادة تنشيط عدد من الإلكترونات، ستقفز هذه الإلكترونات، وتلتصق بحامل الإلكترون، وفي هذه المرة يتم استهلاك هذه الطاقة كلها NADH وهو جزيء مثل ATP مسؤول فقط عن نقل الطاقة.
وبعد ذلك يساعد إنزيم آخر في الربط بين إلكترونين وأيون هيدروجين وجزيء P+ وقد ذكرنا سابقاً في موضوع التنفس الخلوي أن هذا الجزيء تابع لفيتامينات ب الضرورية لعملية تحويل الطاقة.
وفي عملية البناء الضوئي عند ارتباط NADP+ بالكترونين وأيون هيدروجين يكون الناتج هو NADPH وبالتالي ينتج عن التفاعلات الضوئية طاقة كيميائية على هيئة ATP و NADPH وبالطبع لا تنسو أهم ناتج ثانوي بين جميع التفاعلات الحيوية وهو الأكسجين الذي نحتاجه للتنفس.
واقرأ هنا: ما هي السنة الضوئية ؟
دورة كالفن
وهو الجزء الأكثر تعقيداً، ويُطلق عليها في بعض الأحيان بـ “تفاعلات الظلام” وهي تسمية مغلوطة بعض الشيء، لأن هذه التفاعلات لا تحدث في الظلام بل تحدث في النهار مثل باقي التفاعلات الأخرى، فهو لأنها لا تحتاج إلى الطاقة من الفوتونات.
ولذلك يفضل تسميتها بالتفاعلات اللاضوئية، أو يُمكن أن تسمونها المرحلة الثانية، وهي تعمل باستخدام الطاقة المخزونة في جزيئات ATP و NADPH التي تم إنتاجها في المرحلة الأولى وتحويلها إلى أشياء ذات فائدة للنبات.
تبدأ دورة كالفن في الحشوة أو الجزء الفارغ الموجود داخل البلاستيدات الخضراء، وتسمى هذه مرحلة بمرحلة تثبيت الكربون، وسميت بذلك لأنها تبدأ بتفاعل جزيء ثاني أكسيد الكربون مع جزيء ريبولوز ثنائي الفوسفات، ويتواجد هذا الجزيء في البلاستيدات الخضراء باستمرار، لكونه نقط البداية في دورة كالفن، ولكونه كذلك كذلك نقط النهاية، ولهذا السبب سُميت بالدورة.
يتم تثبيت CO2 إلى RuBP بمساعدة إنزيم نازعة كربوكسيل ريبولوز ثنائي الفوسفات واختصاراً لذلك روبيسكو RuBisCO.
إنزيم روبيسكو RuBisCO
في بدايات مراحل تطور الحياة على الأرض أحتاج كائن أحادي الخلية إلى المزيد من الكربون لصنع المزيد من كائنات أحادية ليملأ العالم بكائنات مثله.
ولأن الغلاف الجوي في تلك الفترة كان غنياً بثاني أكسيد الكربون تطور لدى هذا الكائن انزيم قادر على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتحويل الكربون غير العضوي إلى كربون عضوي.
هذا الإنزيم هو روبيسكو، ولكنه لم يكن فعالاً في عمله، ورغم عدم فعاليته بدلاً من الانتظار للحصول عليه من مصادر أخرى تعويضاً عن عدم فعاليته هذا الإنزيم، وأصبح الأكثر انتشاراً على الكوكب.
حتى أن النباتات التي تحتوي على هذا الإنزيم أصبحت شكل الحياة المُهيمنة على كوكب، ومع مرور الوقت ومن خلال التفاعلات التي عُرفت بالتفاعلات الضوئية أدت النباتات إلى زيادة كمية الأكسجين في الغلاف الجوي.
وبما أن روبيسكو نشأ في عالم يحتوي على كميات قليلة من الأكسجين في الغلاف الجوي فقد شعر بالارتباك، فأصبح روبيسكو يقضي نصف وقته وهو يقطع رايبولوز ثنائي الفوسفات باستخدام الأكسجين بدلاً من CO2 ولذلك اضطرت النباتات التخلص منه بطرق إبداعية متخصصة.
يُسمى هذا المنتج الثانوي فوسفو جليكولات Phospho glycolate ويعتقد أنه يؤثر على وظائف في بعض الإنزيمات، ومنها الأنزيمات التي تدخل بدورة كالفن، لذا فعل النباتات صنع أنزيمات أخرى يمكنها تفكيكه إلى حمض أميني وهو الجلايسين، ومركبات أخرى مفيدة لدورة كالفن.
ولكن النباتات اعتادت استخدام إنزيم روبيسكو، وحتى يومنا هذا تقوم بإنتاج كمية مهولة منه.
ويقدر العلماء وجود حوالي 40 مليار طن من روبيسكو على هذا الكوكب في أي وقت من الأوقات، لذلك ستستمر النباتات في التخلص من ذلك المنتج الثانوي السام.
وبالعودة إلى دورة كالفن؛ يلتصق جزيء ثاني أكسيد الكربون على الريبولوز ثنائي الفوسفات، ويُصبح المركب بأكمله غير مستقر لدرجة كبيرة.
والطريقة الوحيدة لإعادة استقراره هي بتفكيك سلسلة الكربونات السداسية من ثالث فوسفو جليسرات، وهذه أول نواة مستقرة لدورة كالفن، ويحدث هذا لثلاثة جزيئات RuBP.
وهنا تقرأ عن: فوائد الاستنساخ وأهم أنواع آلياته
المرحلة الثانية: الاختزال
تحتاج هذه المرحلة إلى طاقة، وبالتالي؛ ستلتصق مجموعة فوسفات قادمة من ATP بثالث فوسفو جليسيرات، وبعد ذلك يزود جزيئات NADPH هذه الجزيئات بالإلكترونات، وهكذا يتكون جزيئين من جليسير ألديهايد ثلاثي الفوسفات أو G3P وهو مركب عالي الطاقة مكون من سلسلة من ثلاث ذرات كربون.
ويمكن للنباتات تحويله لأي نوع من الكربوهيدرات؛ مثل الجلوكوز للتخزين قصير الأمد للطاقة والسيليلوز للبنية والنشا للتخزين طويل الأمد.
ولهذا السبب؛ يُعتبر الـ G3P الناتج الأهم لعملية البناء الضوئي، ولكن لا تنتهي الدورة هنا.
ولتكتمل الدورة ما زال النبات يحتاج إلى 5 جزيئات G3P لإعادة تصنيع جزيئات RuBP الثلاثة التي بدأ بها.
كما يحتاج إلى 9 جزيئات ATP و6 جزيئات NADPH نتيجة لهذه التفاعلات الكيميائية وكل هذه الطاقة الكيميائية يمكن تحويل ثلاثة جزيئات RuBP إلى 6 جزيئات G3P لكن جزيء واحد فقط من جزيئات الـ G3P هذه يمكنه أن يُغادر الدورة.
أما جزيئات الـ G3P الأخرى فتستخدم لإعادة تصنيع جزيئات RuBP الثلاثة الأصلية التي بدأت بها الدورة.
مرحلة إعادة التصنيع هذه هي المرحلة الأخيرة من دورة كالفن، وهكذا تحول النباتات ضوء الشمس والماء وثاني أكسيد الكربون لضمان استمرارية حياة جميع كائنات هذا الكوكب.