كتب مرة الأديب الأمريكي مارك توين إلى صديقه رسالة طويلة قال في آخرها: «يا صديقي.. أعتذر إليك عن طول الرسالة فليس لدي وقت كي أجعلها قصيرة».
الكثيرون حينما يرون رسالة طويلة يتوقعون أن هذه الرسالة مليئة بالعمق والإبداع، وأنها كلفت وقتا طويلا.. على حين أن الإبداع قد يكون في اختصار وقت القارئ وصناعة عمل واضح محدد.
الاختصار والوضوح عملية معقدة.. والبساطة عملية صعبة، ولذلك فكثيرون يلجؤون للغموض والتطويل لدفن عجزهم وضعفهم، والخطب الأطول هي الأكثر «غثاثة» والأغبى جهدا.. وكثير من زعماء الشيوعية كانوا يخطبون بالساعات حتى ينام أحدهم وهو يخطب كي تضيع أفكار الجماهير في خطب الزعماء!
وكلما حضرت خطبة أطال فيها الخطيب وتعددت مسالكه ومشاربه عرفت أن كثرة حديثه لأنه ليس لديه ما يقوله، ولذلك كان يقول النبي، ﷺ: «إن قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنة من فقهه»، وكان ﷺ يختصر الحديث اختصارا ويوصف بأنه أوتي جوامع الكلم حتى إن كلماته لتعد من قصرها وتحفظ من وضوحها وهو سيد الفصحاء.
يقدر لك بعض الأحيان أن تستمع لخطب طويلة الذيل قليلة النيل – كما يعبر الأصوليون والمناطقة – فيبلغ بك الأذى أن تحدثك نفسك أن تجر ذيل الخطيب وتقول له «اقعد فقد عرفنا ما تقول».
أن تكون بسيطا وواضحا ومتاحا عملية يفعلها الناجحون والمؤثرون.. أما من يجيد الثرثرة والبربرة والترترة كما يقول محمود شاكر ذات يوم، فهو «فارغ» يستر فراغه بالقش.. وعار يستر عورته بورق التوت الرخيص. البساطة ليست سهلة، فهي عملية يتقنها العارفون. وبعد هذا كله، أتمنى ألا يبقى في هذا المقال شيء يقول فيه القارئ: «ليته سكت». لأن خير ما يقرؤه الناس هو ما يبدعونه مما لم يقله الكاتب!.
بقلم: عبدالله العودة