مرحبًا بكل أساتذتنا الأفاضِل، بل وبكل أبنائنا الطلبة والطالبات؛ مع كلمة عن الإسراء والمعراج للإذاعة المدرسية. نُهديها لكل المدارس، بطلابها وأساتذتها وكل هئة التعليم بها، في ذكرى هذه المعجزة العظيمة والحادثة الكبيرة.
كلمة عن الإسراء والمعراج للإذاعة المدرسية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. سيدي يا رسول الله؛ محمد بن عبد الله، صلوات ربي وسلامه عليك، وتحياته وبركاته إليك. يا رحمة ربنا المهداة، ويا نعمته المسداة، ويا خير خلق الله.
كلمتي اليوم في ذكرى إسرائك ومعراجك، لنرقب عن كثب؛ إلى أي مدى أطلع رب العزة ﷻ الملأ الأعلى، وأهل السماوات وأهل الأرض؛ على كرامتك، وعلى عظمتك، حين أسرى بك من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.
وتضوء البيت الحرام شذاً وماس وغردا — فتطاولت أعوادة والمسجد الاقصى شذا
وتساءل الحدثان والثقلان ما هذا الصدى؟ — فأجابت السبع الطباق سنا بعالمكم بدا
فاليوم إسراء ومعراج أقيم لأحمدا — جبريل نادى في السماء وراح فيها واقتدى
نادي الملائكة في العلي — حيو النبي محمدا
سيدي يا رسول الله، سيدي يا حبيب الله؛ نجتمع اليوم في ذكرى إسرائك ومعراجك. تلك المعجزة التي لم تكن من أجلهم. ولم تكن معجزة رسالة. فمعجزة الرسالة هي القرآن. أعجز الفصحاء والبلغاء والأدباء والشعراء والإنس والجن.
إنما كانت هذه من أجلِك؛ ليست من أجلهم. فالله يعلم أن من طُمِس على بصيرتهم لا يمكن أن يؤمنوا، ومن قبل قالوا ﴿أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ﴾.
بل رب العزة بين أنه لو صعَّدهم أنفسهم إلى السماء، وصعدوا؛ ما كانوا ليؤمنوا. وقالوا ﴿وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ | لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ﴾.
فهي ليست من أجلهم، وإنما من أجل حبيبنا وشفيعنا ﷺ. ليريه ربه من آياته التي أشارت إليها الآية الكريمة ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
يخُصه بهذه الآيات من الأمور الغيبية السمعية التي ما رآها نبي ولا رآها رسول. طريق معرفة كل نبي لها بالسماع فقط. فتُسمى في علم التوحيد بالسمعيات. كل نبي أخبر بسماعه عن الوحي. الوحيد الذي أخبر عن رؤيا بصري ورؤيا قلبية ورؤيا عينية هو الرسول ﷺ.
﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾؛ خصَّه الله بهذا. رأى ثواب الطائعين، رأى عقاب العاصين، رأى الجنة، رأى النار. بل في حديث البخاري أنه أُدخِل الجنة في هذه الليلة، ووصف الجنة.
هذا مقامٌ رائِع وعظيم جدا. وكان ذلك ليس بالروح فقط وليس رؤيا منامية فحسب -كما يزعم الواهمون- بل كانت جسدا وروحا ويقظة.
يقول الشاعر أحمد شوقي في قصيدة مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
يتساءلون وأنت أطهر هيكل — بالروح أم بالهايكل الإسراء
بهما سموت مطهرين كلاهما — نور وروحانية وبهاء
فضل عليك لذي الجلال ومنة — والله يفعل ما يرى ويشاء
والرسل دون العرش لم يؤذن لهم — حاشا لغيرك موعد ولقاء
تأتي علينا هذه الذكرى ونلتقي هنا في هذه الذكرى بقلوبٍ مُنشرحة. آملين أن يأخذوا عبرة ودروسا من هذه الذكرى التي كانت إلى المسجد الأقصى.
المسجد الأقصى أين هو؟ أين أرض الإسراء؟ يا أمتنا الإسلامية في كل مكان، أين أرض الإسراء؟ أين مسرى الحبيب الشفيع؟ كيف يقع تحت أقدام شذاذ الأرض؟
أخي يا من على الدرب الجريح تنكب الأمدا
وأولى قبلتيك هناك بين يدى الذي مردا
أتبكي ؟ كفكف العبرات وانظر ما الذى فقدا
أتبكي الآل والأحوال والأموال والولدا؟
أتبكي ثالث الحرمين موطن عزة وندى ؟
وقبلته، وصخرته، ومن نادى، ومن سجدا ؟
ومسرى سيد الكونين، القهار قد شهدا
أتبكي في فلسطين الحبيبة إخوة شهداء ؟
أتبكي فوقها عَددا، أتبكي فوقها عُددا؟
تعالى، وقبل كل خطاك… عد لله معتمدا
تعالى وأكد الإيمان بالرحمن، مد يدا
تعالى نطهر الدنيا وندعو الواحد الأحدا
نعم. نطهر الدنيا! نعم. لأننا في أمَسّ الحاجة في هذه المرحلة الراهنة إلى أن نأخذ بعطاء الإسراء والمعراج. حتى نوحِّد الصفوف وحتى تلتئم الجراح؛ وحتى لا يكون هذا التشرذم ولا هذا التفرق.
بل علينا أن ننهض مخلصين صادقين، على يقين بأن المنحة الربانية في هذه الليلة كانت من أجل أن نلتقي بالله، وذلك بفريضة الصلاة التي سعِد بها الحبيب الشفيع حين التقى بالحضرة الإلهية عيانًا بيانا، وأهداه فريضة الصلاة لأمته لتكون قربا لله ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾.
ولما كان الرسول ﷺ يحظى بالعودة إلى موسى مرات لتخفيف الصلاة كان لموسى حظوة -أي: مكانة ومنزلة ومرتبة-. لأنه لما طلب الرؤيا، قال له ربه ﴿لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا﴾. ولكن لأنه في كل مرَّة لما حظي الحبيب برؤية ربه يتمنى أن يظل جيئة وزهوبة ليأخذ من كسوة النور الإلهي على وجه النبي ﷺ.
حتى قال بعض العارفين: ولو قارنت لفظة ﴿لَن تَرَانِي﴾ بـ ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ﴾ فهمت معنىً. فموسى خَرَّ مغشيًا عليه، وأحمد لم يكن ليزيغ ذهنا ﷺ.
نضرع إلى الله في هذه الليلة المباركة؛ وندعو أمتنا إلى وحدة الصف وجمع الكلمة. فاللهم أيد أمتنا الإسلامية يا رب العالمين. اللهم اكشف الغمة عن الأمة يا رب العالمين. اللهم أعِد إلينا القدس الشريف محررًا، يا أرحم الراحمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كانت هذه كلمة عن الإسراء والمعراج للإذاعة المدرسية؛ وهي بالأصل من إلقاء الدكتور أحمد عمر هاشم؛ جزاه الله خيرًا.