في الوقت الذي يجب أن نُذَكِّر فيه أئمتنا بضرورة تذكير الناس بهذه الحادثة العظيمة. نسوق إليهم خطبة مكتوبة عن الإسراء والمعراج؛ تتضمَّن مزيد دروس وعبر قد جاءت واستُنبِطَت من هذه المعجزة الكبيرة.
مقدمة الخطبة
الحمد لله؛ نحمده ونستعين به ونستغفره. ونعوذ بالله ﷻ من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أما بعد؛ إن الله ﷻ أيَّد أنبياءه ورسله بالآيات العظيمة وهي المعجزات التي تدل على صِدقهم وأنهم رُسُل من عند الله ﷻ. وأعظم الآيات التي جاء بها رسول الله ﷺ هي القرآن الكريم. فهو آية باقية إلى يوم القيامة. ومن أعظم الآيات بعده آية الإسراء والمعراج.
الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج آية عظيمة، جليلة القدر في الإسلام. لأنها اشتملت على آيات كثيرة، ومعاني عظيمة. ودلت على رِفعة قبر النبي ﷺ.
وكان الإسراء والمعراج قبل الهِجرة النبويَّة. ولا يُعلَم يوم الإسراء والمعراج على وجه التحديد. ولذلك؛ لا تُشرع له صلاة ولا عبادة مخصوصة، ولا يشرع له احتفال.
وكان الإسراء والمعراج بجسد النبي ﷺ وروحه، من المسجد الحرام -يعني من مكة– إلى بيت المقدس. وكان ذلك في اليقظة، وليس في المنام. يعني كان شيئا معجزا، وأمرا عظيما.
خرج النبي ﷺ مع جبريل. جاءه جبريل فأخذ بيد ﷺ في اليقظة، فذهب معه بجسده وروحه. ولذلك كذَّب به المشركون. ولا زال إلى اليوم يُكذب به الملحدون والمنافقون وأعداء الإسلام؛ لما اشتمل عليه من آيات عظيمة، وبين قبر النبي ﷺ بين الأنبياء. حيث صلى بهم رسول الله ﷺ؛ فكان هذا اعترافا للأنبياء جميعا بأن محمدًا رسول الله، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه أفضل الأنبياء والمرسلين. وأنه يجب على أتباع الأنبياء جميعا أن يتبعوه. فإن الأنبياء قد صلوا خلفه ﷺ.
جاء جبريل “عليه السلام” بالبراق إلى النبي ﷺ، وهو في مكة، فخرج معه حتى ركب على البراق. وكان يركب عليه الأنبياء. فأتى به بيت المقدس، فصلى فيه ركعتين، ثم صعد معه إلى السماء. وصلاته بالأنبياء كانت بعد عودته ﷺ من المعراج.
كانت الرحلة من البيت الحرام إلى بيت المقدس على البراق. والبراق: فوق الحمار ودون البغل.
ثم خرج من بيت المقدس حتى صعد إلى السماء. والصعود إلى السماء لم يكن على البراق. بل كان على المعراج. وهو آلة، تشبه الآن المصعد.
صعد به جبريل “عليه السلام” حتى أتى السماء الدنيا. فاستفتح -يعني استأذن من خارج السماء الدنيا أن يفتح له- قال من؟ قال: جبريل. قال: ومن قال محمد. قال: وقد بعث إليه؟ قال: نعم.
فدخل السماء الدنيا فإذا آدم “عليه السلام”، فسلم عليه؛ وقال له: هذا آدم، هذا أبوك آدم. فسلم عليه، فرحب به آدم “عليه السلام”. وإذا عن يمينه أسودة وعن شماله أسودة -يعني أرواح- فإذا نظر عن يمينه ضحك، إذا نظر عن يساره بكى. فلما سأل النبي -ﷺ جبريل- عن هذا. قال: أما الأسود التي عن يمينه فأرواح بنيه من أهل الجنة. وأما الأسود التي عن يساره فأرواح بنيه من أهل النار.
ثم صعد إلى السماء الثانية؛ فإذا فيها عيسى ابن مريم ويحيى ابن زكريا. وفي السماء الثالثة يوسف “عليه السلام”. وفي الرابعة إدريس. وفي الخامسة هارون. وفي السادسة موسى. وفي السابعة إبراهيم ﷺ مسند ظهره إلى البيت المعمور، كلما أتى على نبي من الأنبياء سأل جبريل عنه، فقال هذا فلان فسلم عليه. فرحب به النبي الكريم.
حتى أتى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم “عليه السلام” مُسندا ظهره إلى البيت المعمور. ثم صعد به فوق ذلك. حتى أتى سدرة المنتهى. والسدرة هي الشجرة. وإذا هي شجرة عظيمة. قال ﷺ «يغشاها من الألوان». يعني ألوان عظيمة. ذكر النبي ﷺ أنه لا يستطيع أن ينعتها. يعني فيها ألوان لم يعلمها النبي ﷺ.
وإذا ورقها كآذان الفيلة؛ يعني شيء عظيم لم يره النبي ﷺ من قبل، وألوان لا يعلمها.
ثم صعد، حتى وصل إلى موضع يسمع فيه صريف الأقلام -يعني صوت التي تكتب الخبر وما أمر الله “عز وجل” به-. ثم كلمه ربه ﷻ. أعظم مقام وصل إليه نبيه، أنه صعد حتى كلَّمه الله ﷻ. والله “عز وجل” يتكلم كلاما حقيقيا.
كلمه ربه ﷻ؛ ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم وليلة. ثم نزل، حتى مر على موسى ﷺ فقال له موسى: ما فرض عليك ربك؟ قال: خمسين صلاة في كل يوم وليلة. قال: ارجع إلى ربك. فإني بلوت بني إسرائيل -يعني اختبرتهم- ومكثت عندهم زمانا، فإن أمتك لا يطيقون. لن يتحملوا أن يصلوا خمسين صلاة في اليوم والليلة. فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.
فرجع إلى ربه. فسأله التخفيف. فخفف عنه. فلا زال يتردد بين الله “عز وجل” وبين موسى؛ فكلما مر عليه قال ارجع إلى ربك. فيخفف الله “عز وجل” عنه خمسا خمسا حتى صارت خمس صلوات في اليوم والليلة.
فقال الله -سبحانه- ﴿أن قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي بالحسنة عشر أمثالها﴾ والحديث في صحيح البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.
فنزل النبي ﷺ حتى أتى بيت المقدس، فصلى بالأنبياء الكرام. ثم رجع به جبريل إلى مكة.
كانت هذه الرحلة العظيمة أعظم معجزات النبي ﷺ بعد القرآن الكريم. وفيها من الدروس والعبر والآيات والفوائد؛ شيء عظيم. ولذلك أنكرها الملحدون. فلا ترى أحدا يكذب بها إلا الزنادقة والمنافقون والملحدون.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
إن الحمد كله لله، والأمر كله لله، والخير كله في يديه، ومستحق الحمد والثناء والمدح.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
دروس وعبر
في الإسراء والمعراج دروس وعبر، وآيات كثيرة. منها ما ذكرنا من تعظيم فضل النبي ﷺ، وأنه يجب على كل الأمم من اليهود والنصارى وغيرهم أن يتبعون. ومن لم يتبعه ﷺ فقد كفر، وليس له نصيب يوم القيامة في جنة الله “عز وجل”؛ كما أخبر النبي ﷺ.
ومن فوائدها تعظيم قدر الصلاة. فإن الصلاة فُرضت في السماء عند الله ﷻ. استدعى ربنا ﷻ رسوله ﷺ، ليفرض عليه الصلاة. فليس لمسلم أن يهمل الصلاة، بل يجب على كل مسلم أن يحافظ عليها، أن يهتم بها، فإنها أعظم شيء في الدين بعد الشهادتين. ومن ضيَّع الصلاة ضيع دينه كله. فاحرصوا على الصلاة حتى تلقوا الله ﷻ على خير.
من فوائد الإسراء والمعراج؛ أن النبي ﷺ رأى فيه صورا من عذاب أهل المعاصي. فإن أهل المعاصي لهم عذاب عظيم، من الكفرة والعصاة والمجرمين؛ عند الله ﷻ. ليحذر كل مسلم من معصية الله، خاصة في الخلوات؛ فإن الله سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
ومن فوائد هذه المعجزة العظيمة علو الله ﷻ فوق خلقه. فإن الله “عز وجل” فوق الخلق أجمعين، بذاته حقيقة، تبارك الله ﷻ. أخبر الله ﷻ في القرآن الكريم أنه فوق خلقه، وفوق عرشه. قال الله -سبحانه- عن الملائكة ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ﴾. وقال -سبحانه- عن نفسه ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾؛ أي على فوق العرش ﷻ. وأخبر -أيضا- عنه رسوله ﷺ، حين سأل الجارية، في الحديث الصحيح، «أين الله؟» قالت: في السماء. قال «أعتقها فإنها مؤمنة».
كما ورد ذلك عن كثير من الصحابة؛ منهم عبد الله بن مسعود، وعائشة -رضي الله عنها-، وزينب بنت جحش -رضي الله عنها- وكثير من الصحابة.
فهذا اعتقاد الصحابة، واعتقاد النبي ﷺ، وصريح القرآن أن الله ﷻ فوق العرش. أي فوق الخلق أجمعين. فليس لأحد أن يقول إن الله في كل مكان، وليس أن يقول إن الله ليس له مكان؛ هذا خطأ عظيم وإن وقع فيه كثير من الناس، لكنه خطأ عظيم؛ مخالف للقرآن، مخالف لعقيدة النبي ﷺ، مخالف لعقيدة الصحابة الكرام؛ وليس لأحد أن يخالف عقيدة الصحابة. ولا لأحد من المسلمين أن يخالف عقيدة النبي ﷺ بحجة العقل أو الفهم أو نحو ذلك. فإن هذا كله باطل.
وفي الإسراء والمعراج دروس وعبر. لذلك؛ إذا سمعت أحدًا يُكَذِّب بالإسراء والمعراج فاعلم أنه إما جاهل وإما زنديق من الزنادقة الملحدين. لأن الإسراء والمعراج أعظم معجزات النبي ﷺ بعد القرآن.
فهي آية عظيمة وردت في السنة النبوية، ووردت أيضا في القرآن الكريم. ورد الإسراء في سورة الإسراء وورد المعراج في سورة النجم. فليس لأحدٍ أن يُكَذِّب بهذه الآيات العظيمة. وهو ﷻ القائِل -عز من قائل- في سورة الواقعة ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ | فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾.
الدعاء
نسأل الله ﷻ أن يثبت قلوبنا على دينك. اللهم ثبت قلوبنا على دينك.
اللهم اشملنا بعفوك ورحمتك وكرمك ومنتك.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا المسلمين، واكشف البلاء عنا وعن الناس أجمعين؛ برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى.
اللهم أرض عن أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي. وعن الصحابة أجمعين.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
وفَّرنا لكم أعلاه خطبة مكتوبة عن الإسراء والمعراج… دروس وعبر وفوائِد عظيمة أفرد الشيخ عبد المقصود محمد الحديث عنها وفيها؛ فجزاه الله خيرًا.
نرجوا من المولى -سبحانه وتعالى- أن ينتفع بها كل من مَرَّ هاهنا واطَّلع عليها.