مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي أسرى بعبده محمد ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ما ضل وما غوى، إن هو إلا وحي يوحى، ﷺ وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على الهدى.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: إن حادثة الإسراء والمعراج مدرسة إيمانية وجامعة عملية، يربي الله تعالى فيها العباد على تعظيمه جل وعلا؛ إذ يطلع المسلم على قدرته تعالى المطلقة، ويعي حكمته البالغة، فما كان الناس يتصورون أن بشرا منهم يمكنه أن ينتقل من مكانه بمكة إلى بيت المقدس ثم يعود في الليلة نفسها، لكنها قدرة الله التي لا تحدها الحدود ولا يعجزها شيء في الوجود، فتعالى الله القائل: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، وآيات الله العظيمة كما أنها تسلية لأنبيائه هي في ذاتها تثبيت للمؤمنين وطريق إلى أن يتعرفوا بها خالقهم؛ فلا يعصوا ما أمرهم به، ولا يتجاوزوا حد الأدب معه سبحانه.
فيا أيها العبد الصالح الذي ترجو رحمة ربك لا تغلق عقلك عن معرفة خالقك: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
أيها المسلمون: لقد ارتبطت حادثة الإسراء والمعراج عند المسلمين بالصلاة، ولا عجب أن تكون الصلاة حافظة لك أيها الموفق من الوقوع في الاضطرابات الفكرية والنفسية، بل إنها تجعل قلب المؤمن مغلفا بحماية الله العظيم، ومحفوفا برعاية الخالق الكريم، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾، فالمحافظ على الصلاة يشمله عهد الرعاية من الله، ومن ضيعها تلطخ بالشبهات فخسر دينه ودنياه، يقول المصطفى ﷺ: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله».
ولذا فمن كان يرجو حياة هنيئة وسعادة مستمرة، فليكن له نصيب من المحافظة عليها؛ فهو أمر الله تعالى، ولا سيما مع انتشار الفتن وتوسع المغريات، يقول الله جل شأنه: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
فاتقوا الله -عباد الله-، واجعلوا من تذكر حادثة الإسراء والمعراج سلما إلى معرفة الله جل وعلا، وطريقا إلى الحفاظ على التقوى والعمل الصالح، ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
أيضًا؛ هذه ⇐ خطبة الجمعة مكتوبة عن معجزة الإسراء والمعراج
الخطبة الثانية
الحمد لله ﴿وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا رسول الله، ﷺ وعلى آله وأصحابه المتقين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله: يقول الله جل وعلا: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾، إن حادثة الإسراء والمعراج آية عظيمة من الآيات الكبرى الدالة على قدرة ربنا تعالى، فهي تتخطى مقاييس البشر في العلوم الكونية المتاحة؛ فرحلة بين السماوات والأرض يحتاج فيها العقل إلى أن يتصور أنها تحدث في ملايين السنوات الضوئية، يجعلها الله تعالى كلمح البصر، فكيف لا يكون هذا دلالة على عظمته وقدرته سبحانه؟! يقول جل شأنه: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾.
وقد يجد أعداء الحق سبيلا إلى الطعن في دين الله وتشويهه أمام الضعفاء وأهل الأهواء؛ من باب أن هذه الرحلة لا يمكن العقول القاصرة أن تقبلها، لكن المؤمن الصادق يعي أن كتاب الله الخالد الذي سطر فيه ربنا جل جلاله خبر هذه الرحلة محفوظ، يقول الله سبحانه عن كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.
فاتقوا الله -عباد الله-، وربوا قلوبكم على اليقين بخالقكم، وتمسكوا بحبل الله الذي فيه نجاتكم، واجعلوا كتابه دليلا لحياتكم، ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.