نتحدث في هذا الموضوع عن حركة المواد عبر أغشية الخلايا. وهو أمرُ يحدث طوال الوقت داخل الأجسام. وهذه الحركة ضرورية للبقاء على قيد الحياة، والهدف منها لا يقتصر على اكتساب الخلايا إلى ما تحتاج إليه والتخلص مما لا تحتاجه. فهي تُتيح أيضاً الفرصة للخلايا للتواصل مع بعضها البعض.
والمواد المختلفة تعبر غشاء الخلية بطرق مختلفة، وتندرج هذه الطرق ضمن فئتين رئيسيتين:
- النقل النشط.
- النقل غير النشط، أو النقل السلبي: لا يحتاج إلى طاقة مما يسمح بدخول المواد المهمة مثل الأكسجين والماء إلى الخلايا بسهولة.
وتدخل هذه المواد إلى الخلايا من خلال عملية تُسمى الانتشار.
والانتشار هو حركة المواد من المناطق ذات التركيز الأعلى إلى المناطق التركيز الأقل؛ فعند تراكم الأكسجين في مكان ما ينتقل إلى الأماكن التي تكون أقل ازدحاماً.
والماء كذلك يتصرف بنفس الطريقة وينتقل إلى الأماكن التي يوجد فيها ماء أقل.
الخاصية الأسموزية
إن انتشار الماء عبر الغشاء بهذه الطريقة يُعرف بـ “الخاصية الأسموزية” وهكذا تُنظم خلايا الجسم محتواها المائي.
وهذه الخاصية لا تنطبق فقط على الماء؛ فكما ذكرنا في المواضيع السابقة أن الماء مذيب ممتاز؛ مما يعني أن هذه الخاصية تنطبق على الماء الذي يحتوي على المواد المذابة أو ما يعرف بالمحاليل؛ مثل المحاليل الملحية أو المحاليل السكرية.
إذا كان تركيز المحلول أعلى داخل الخلية مما هو في خارج الخلية يُسمى هذا المحلول بمحلول مفرط التوتر، ويكون لضغط انتشاري عالٍ.
أما إذا كان التركيز داخل الخلية أقل من خارج الخلية، فإن ذلك يُسمى بـ: محلول منخفض التوتر. وهو الحالة المعاكسة للمحلول المفرط التوتر.
ويسعى الماء دائماً للوصول إلى حالة من التوازن في التركيز، ويطلق على المحلول الذي يصل إلى هذه الحالة بـ “محلول متساوي التوتر” ويكون عنده تركيزه هو نفسه على كلا الجانبين في خارج وداخل الخلية.
ويُمكن توضح هذه العملية من خلال القيام بتجربة بسيطة؛ وهي إحضار وعاء مليء بالماء العذب، وكيس ذو مسامة مصنوع من السليلوز يحتوي على مياه مالحة يتم صبغها بالأزرق.
ومن خلال هذه التجربة تتمكنوا من رؤية الماء وهو يتحرك من خلال الكيس، والذي يمثل غشاء الخلية.
فعلى مدى ربع ساعة تنتشر المياه المالحة في الماء النقي، وسيستمر في الانتشار حتى يصبح تركيز الملح في الماء هو نفسه داخل الغشاء وخارجه.
وعندما يحاول الماء أن يُصبح متساوي التوتر، فهو يقوم بمعدّلة فرق التركيز.
معظم خلايا الجسم محاطة بمحلول له نفس تركيز المحلول الموجود داخل الخلايا؛ وهذا أمرُ في غاية الأهمية.
على سبيل المثال؛ عند أخذ خلية دم حمراء ووضعها في كوب من الماء النقي سيكون توترها مرتفع جداً، وذلك لأنها تحتوي على الكثير من الأشياء بداخلها مقارنة بخارجها مما يجعل الماء يتدفق بشدة إلى داخل خلية الدم الحمراء.
وبالتالي فإنها ستنفجر، وإذا كان تركيز بلازما الدم مرتفعاً للغاية فإن الماء سيخرج من الخلايا، وستتلاشى وتصبح بلا فائدة. ولهذا السبب تعمل الكليتان بشكل متواصل على تنظيم تركيز بلازما الدم. وإبقائه متساوي التوتر.
القنوات البروتينية
يمكن أن يتخلل الماء غشاء الخلية دون أي مساعدة، ولكن ذلك ليس سهلاً، حيث تتألف أغشية الخلايا من الدهون المفسفرة، وطبقة ثنائية من الدهون المفسفرة المحبة للماء من الجانب الخارجي وكاره الماء من الداخل. لذا ستواجه جزيئات الماء صعوبة في المرور عبر هذه الطبقات؛ لأنها تبقى عالقة في المركز غير القطبي الكاره للماء.
وهنا يأتي دور القنوات البروتينية؛ فهي تسمح بمرور جزيئات الماء والأيونات من خلالها دون استهلاك أي طاقة.
وتتخلل هذه القنوات عرض الغشاء، ويوجد في داخلها قنوات محبة للماء تسهل مرور الماء عبرها، وتسمى البروتينات المخصصة لتمرير الماء بالقنوات المائية.
ويُمكن لكل واحدة من هذه القنوات تمرين ثلاثة مليارات جزيء من الماء في الثانية.
يمكن للخلية الحصول على المواد التي تحتاجها باستمرار مثل الأكسجين والماء دون استهلاك الطاقة، ولكن معظم المواد الكيميائية الأخرى تعبر غشاء الخلية من خلال النقل النشط. وهذا النوع من النقل يستخدمُ للحركة بالاتجاه المعاكس لفرط التركيز، أي من التركيز المنخفض إلى التركيز المرتفع. وهذه العملية تحتاج إلى الطاقة.
أدينوسين ثلاثي الفوسفات ATP
إن الحصول على الطاقة اللازمة لأداء معظم وظائف الخلايا بما في ذلك نقل الجزيئات باتجاه عكسي لفرق تركيز يتطلب أدينوسين ثلاثي الفوسفات.
فـ ATP من أهم المواد الكيميائية في الجسم، فهو يُعرف بعملة الطاقة في الخلية، وهو في غاية الأهمية في الجسم.
تنويه؛ يجب عليكم معرفة أنه عندما تحتاج الخلية إلى اتباع طريقة نقل نشط فعليها دفع رسوم أو عملة معينة إلى البروتين الناقل، وهذه العملة هي الأدينوسين ثلاثي الفوسفات.
مضخة الصوديوم والبوتاسيوم
يطلق على النوع الخاص من البروتين الناقل اسم مضخة الصوديوم والبوتاسيوم، تحتوي معظم الخلايا على هذه المضخات، ولكنها ضرورية بشكل خاص للخلايا التي تحتاج إلى الكثير من الطاقة؛ مثل الخلايا العضلية وخلايا الدماغ.
ينز كريستيان سكو Jens Christian Skou
اكتشف الطبيب الدنماركي ينز كريستيان سكو مضخة الصوديوم والبوتاسيوم في الخمسينيات عندما كان يدرس كيفية تأثير التخدير على الأغشية؛ حيث لاحظ وجود بروتين في أغشية الخلايا يمكنه أن يضخ الصوديوم إلى خارج الخلية.
والطريقة التي تعرف بها هذه المضخة كانت في دراسة أعصاب سرطان البحر، واختار هذا الحيوان تحديداً؛ لأن أعصاب سرطانات البحر ضخمة مقارنة بالأعصاب البشرية، ومن السهل تشريحها ومراقبتها.
ولكن السرطانات تُعتبر صغيرة، لذلك فهو احتاج إلى الكثير منها، فعقد صفقة مع أحد الصيادين المحليين، وعلى مر السنين درس ما يقارب الـ 25,000 سرطان؛ حيث قام بسلقها لكي يدرس أليافها العصبية الطرفية.
ونشر النتائج التي توصل إليها حول مضخة الصوديوم والبوتاسيوم في عام 1957، واشتهر حينها برائحته المميزة التي كانت تملأ قاعات قسم الفسيولوجيا في الجامعة التي كان يعمل بها.
وبعد 40 عاماً من هذا الاكتشاف حصل “سكو” على جائزة نوبل في الكيمياء، وهذا ما تعلمناه من “سكو”.
اتضح أن هذه المضخات تعمل لضخ الجزيئات بالاتجاه المعاكس استجابة لنوعين من الاختلافات في حالة جانبي غشاء الخلية؛ الأول هو فرق التركيز، والآخر هو الفرق الكهروكيميائي؛ وهو الفرق في الشحنة الكهربائية على جانبي غشاء الخلية.
الخلايا التي كان يدرسها “سكو” مثل الخلايا العصبية في الدماغ عادة ما تحمل شحنة سالبة في الداخل مقارنة بالخارج.
كما أن تركيز أيونات الصوديوم في داخلها يكون منخفضاً. تستجيب المضخة بشكل عكسي لهذين الحالتين.
حيث تجمع ثلاث أيونات صوديوم موجبة الشحنة وتدفعها خارج الخلية إلى وسط غني بأيونات الصوديوم موجبة الشحنة.
وللحصول على الطاقة للقيام بذلك؛ تقوم مضخة البروتين هذه بتفكيك جزيء أدينوسين ثلاثي الفوسفات.
ويتألف الأدينوسين ثلاثي الفوسفات من جزيء أدينوسين مرتبط بثلاث مجموعات فوسفات لذلك عندما يتصل ATP بمضخة البروتين يقوم إنزيم بكسر الرابطة التساهمية بواحد من مجموعة الفوسفات مما يطلق الطاقة وتكون هذه الطاقة كافية لتغيير شكل المضخة؛ حيث تنفتح للخارج وتُطلق 3 أيونات صوديوم.
وهذا الشكل الجديد يسمح لأيونات البوتاسيوم الموجودة خارج الخلية بالدخول إليها، فتُدخل المضخة أيون البوتاسيوم.
وتكون النتيجة هي الحصول على خلية عصبية مشحونة؛ ولذلك يكون لأيونات الصوديوم الموجودة في الخارج رغبة شديدة في الدخول إلى الخلية.
وعندما ينجح مؤثر ما بتحفيز الخلية العصبية تسمح المضخة لهذه الأيونات بالدخول، وهذا يُعطي الخلية العصبية طاقة كيميائية كهربائية تُستخدم لاحقاً لمساعدتها في أداء مهامها؛ مثل اللمس والشم والتذوق والتفكير.
ندعوك هنا أيضًا لتقرأ عن: الفرق بين الخلية النباتية والخلية الحيوانية بشكل مفصَّل وعلمي ومُبسَّط
النقل الحويصلي
هناك طريقة أخرى لدخول المواد إلى الخلايا، وهي تتطلب الطاقة أيضاً، لأنها تُعتبر شكلاً من أشكال النقل النشط، ويطلق عليها النقل الحويصلي.
وتتم فيها عملية النقل بواسطة الحويصلات؛ وهي عبارة عن أكياس صغيرة مصنوعة من الدهون المفسفرة تماماً مثل غشاء الخلية.
ويُسمى هذا النوع من النقل النشط “سايتوسس” أو نشاط الخلية، وهي كلمة يونانية تعني نشاط خلية، فعندما تقوم الحويصلات بنقل مواد خارج الخلية يطلق على هذا النوع من النقل الإخراج الخلوي.
ومثال ذلك ما يحدث حالياً في دماغكم حيث تُطلق الخلايا العصبية نواقل عصبية.
فالنواقل العصبيات مهمة جداً في مساعدة الجسم على الإحساس بمشاعر مختلفة، ومن هذه النواقل العصبية؛ الدوبامين، والسيروتونين.
وبعد تصنيع النواقل العصبيات وتغليفها في حويصلات، يتم نقلها حتى تصل الحويصلات إلى الغشاء، وعند وصولها إلى الغشاء يُعاد ترتيب الطبقات الثنائية لكي تندمج مع غشاء الحويصلة، وتخرج النواقل العصبية من الخلية.
وعندها يُمكنكم تذكر أي شيء، كأن يتذكر الشخص المكان الذي ترك فيه مفاتيحه على سبيل المثال.
الإدخال الخلوي
تتم عملية إدخال المواد إلى الخلية بثلاث طرق وهي:
البلعمة
تشير هذه الكلمة إلى الابتلاع أو الالتهام، وتُعني التهام نشاط الخلية.
تستشعر المستقبلات الكيميائية الموجودة على غشاء الخلية الدموية الجُسيم الغازي، وتلتصق به وتحيطه إلى أن تبتلعه.
ثم يقوم الغشاء بتشكيل حويصلة لحمله إلى الداخل وحينها تبدأ الإنزيمات وغيرها من وسائل الدفاع بمهاجمته.
الشرب الخلوي
وهو مشابه للبلع ما إلى حد كبير، ولكن بدلاً من إحاطة الجسيمات بالكامل تتم فيها إحاطة الأشياء التي سبق وإن تمت إذابتها، وفي هذه الطريقة ينطوي الغشاء قليلاً لتشكيل بداية القناة ثم ينفصل لتشكيل حويصلة تحتفظ بالسوائل.
معظم خلايا الجسم تقوم بهذه العملية؛ لأنها الطريقة التي تمتص بها خلايا الجسم للمواد الغذائية.
إدخال خلوي متواسط بالمستقبل
ماذا لو احتاجت الخلية لمواد موجودة بتركيز قليل جداً؟
حينها تستخدم الخلايا مجموعة من المستقبلات البروتينية المتخصصة في الغشاء، وتُشكل هذه المستقبلات حويصلة عند اتصالها مع الجزيء التي تبحث عنه.
فعلى سبيل المثال؛ لدى خلايا الجسم مستقبلات كوليسترول متخصصة تسمح للجسم بامتصاص الكوليسترول.
وإذا لم تتمكن هذه المستقبلات من أداء عملها لأسباب وراثية مثلاً، فإن الكولسترول سيطفو في الدم مما يؤدي في النهاية إلى الإصابة بأمراض القلب، وهذا واحد من الأسباب التي تبين لكم أهمية ما يُسمى بالإدخال الخلوي المتواسط بالمستقبل.