عيد الأضحى المبارك هو يوم من أطيب أيام اله عز وجل وأكثرها بركة ورحمة، يطل على الكون فينشر البهجة في ربوعه ويربت على قلوب الخلق، ويدخل عليها السرور، ولعل الله عز وجل قد أنعم به علينا إكراما لنا ومكافأة بعد عبادة عظيمة الشأن أوجبها علينا في العمر مرة واحدة، فمن كان محظوظاً وسعيداً وفق إليها ومن كان غير ذلك حرم منها، فهي عبادة لله وتطهير للمسلم، وتوبة وبداية جديدة، ألا وهي عبادة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام.
وبما أننا مقبلون على عيد الأضحى المبارك بعد أيام فإننا يجدر بنا أن نكتب عنه ونتعرف على جوانبه وما يتعلق به بعمق أكثر، ومن ثم فسينصب حديثنا في هذا المقال عن الأضحية وسنة النحر وما يتعلق بها من المعاني السامية والمقاصد الجليلة، وما ينبغي مراعاته فيها في مقال اخترنا له عنوان (الحكم والمقاصد من مشروعية الأضحية)، فتابعونا، دمتم بخير ودامت أعيادكم طيبة مباركة ملؤها البركة والرضا والسعادة.
المقصود بالأضحية
تعني كلمة أضحية في اللغة كل ما يضحى به بذبح أو غيره، أما في اصطلاح الفقهاء والإسلاميين فإنها تطلق على ما يتم ذبحه أو نحره في عيد الأضحى المبارك من بهيمة الأنعام، من الضأن أو البقر أو الإبل، في عيد الأضحى وخلال أيام التشريق الثلاثة، بنية التقرب لله عز وجل وابتغاء مرضاته وثوابه، والتي يتم اختيارها وفقاً لمعايير معينة من السلامة من العيوب والصحة وضعتها الشريعة الإسلامية ووضحت ضوابطها.
دليل مشروعية النحر في عيد الأضحى المبارك
يستدل على مشروعية النحر في عيد الأضحى من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، فأما كتاب الله عزّ وجل فيقول الله تعالى عن ذبح الأضحية أو نحرها ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
أما السنة النبوية المطهرة فقد أخبرتنا في حديث نبوي يرويه البراء رضي الله عنه وأرضاه عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من ذبح قبل الصلاة فإنه يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد أتم نسكه وأصاب سنة المسلمين).
أما من الإجماع فلم يرد عن أي من جماعة الفقهاء أنه أنكر مشروعية الأضحية فنقل مشروعيتها بن دقيق العيد وابن قدامة والشوكاني وابن حجر وغيرهم.
الحكم والمقاصد من مشروعية الأضحية
بعد التعرف على معنى الأضحية والمقصود منها ودليل مشروعيتها يجدر بنا أن نتعرف على الحكم والمقاصد الربانية العظيمة والغايات السامية من مشروعية الأضحية، فإن الله عز وجل لم يشرعها عبثاً، ولم يسنها من باب المشقة على عباده أو تحميلهم بنفقات أو نحوه، بل إن من ورائها تربية للنفس وتزكية لها وترويض لها على الطاعة والامتثال لأوامر الله عز وجل، ولعل من أهم تلك المقاصد وأعظمها ما يلي:
١. شكر الله عز وجل على نعمة الحياة
معظمنا يعلم قصة سيدنا اسماعيل وأبيه إبراهيم عليه السلام مع الأضحية، وكيف بدأت بابتلاء حقيقي غاية في القسوة والصعوبة وامتحان من أشق ما يمكن أن يتعرض له بشر، وهو رؤية ذبح اسماعيل عليه السلام، والذي تجاوزه النبيان بنجاح وسلما أمرهما لله عز وجل وقبلا حكمه، وهما بتنفيذ ما أمرهما الله به، لو لا أن تداركهما الله عز وجل برحمته وافتدى اسماعيل عليه السلام بذبح عظيم، فكان ذلك بمثابة ميلاد جديد له عليه السلام ورحمة لقلب ابراهيم الأب الذي كان سيتمزق ألماً لو فقد ابنه الذي جاءه بعد طول انتظار.
ومن ثم فإن ذبح الأضاحي هو تذكرة لكل مسلم موحد بفضل الله عز وجل عليه إذ وهبه الحياة ورزقه فرصة للبقاء وما أعظمها من نعمة وما أغلاه من عطاء.
٢. إحياء سنن النبيين والتأكد أن ذلك مجلبة للنجاة والخير
إن في الذبح اتباع لسنة نبي الله ابراهيم عليه السلام، وتعليم للمسلم وتربية له على معنى الخضوع والتسليم بأمر الله عز وجل وإيثار رضاه على هوى النفس وإن تعلق الأمر بالأبناء أو النفس، واليقين أن في ذلك سر النجاة والسعادة والمكرمة من الله عز وجل، فإن الله عز وجل كافأ طاعة ابراهيم واسماعيل عليهما وعلى نبينا السلام بالعافية والنجاة ورضي عنهما.
٣. في الأضحية توسعة على المسلمين وجبر للفقراء والمساكين
تأتي مناسبة عيد الأضحى المبارك من كل عام حاملة معها بشائر التوسعة والرحمة والرفق بالفقراء والمحرومين الذين ينتظرونها بفارغ الصبر، لإشباع بعض حرمانهم وسد بعض احتياجهم ليخلق ذلك نوعاً من التكافل الاجتماعي بين طبقات المجتمع الإسلامي من الأغنياء والمرفهين والفقراء والمحتاجين.
٤. توطيد لأواصر المودة وعرى المحبة
إن في التهادي بين المسلمين بلحوم الأضاحي تعزيز لمعاني المودة والأخوة والحب بين الأهل والأقارب والمعارف، وفيه سد لذرائع الفتن والحقد والحسد التي قد يستشعرها الفقراء تجاه الأغنياء من أبناء المسلمين، حيث يشملهم العطاء فيدفع عنهم شعور العوز والحاجة ويعفهم عن المسألة والتكفف، وهذا من أجل وأرقى وأسمى مقاصد الشريعة الغراء.
وفي الختام
كان مقالنا هذا استعراض لأهم ما يتعلق بالأضحية من الجوانب من حيث التعرف على المقصود بها، والدلائل التي تقول بمشروعيتها، والمقاصد السامية التي شرعت لأجلها، لنتعرف على قيمة تلك السنة العظيمة وأثرها الطيب على المجتمع الإسلامي بأسره ودورها في نشر السعادة والفرحة وجبر خواطر المسلمين في هذه الأيام المباركة.