الفن هو أحد أوجه القراءات لمعرفة تاريخ الشعوب. إلا أن القنوات الفضائية تتسابق، في شهر رمضان تحديدا، على جذب الجماهير بعرض مسلسلات درامية أغلبها لا يخرج عن عرض مشاهد تحوي العنف والرعب، فتقوم على تجسيد أقوى الصفعات وأكثرها إيلاما!
ولا أعرف لماذا يعد هذا المشهد محفزا للمتابعة؟ فلقد تحول دور البطل الطيب إلى بطل شرير، يسعى لتدمير عائلته الغنية فتنهار فردا فردا، ويموت الأب مقهورا، ويدمن الأخ المخدرات، وأحيانا الأخت «لمزيد من الإثارة»، والجميع في النهاية مفلسون، أما البطل فيجد طريقه تائبا إلى الله، ويتحول إلى بطل في العام القادم. أو عرض مسلسلات تقليدية لا تحتاج إلى سيناريو خطير بقدر ما تحتاج إلى حشد عدد كبير من الفتيات الجميلات في عمل فني مشترك «مشي حالك» تحرص القنوات على تسويقه بعرض أكثر المشاهد جرأة.
وبينهما: تأتي برامج مسابقات تفوق فيها فاتورة الاتصال قيمة الجائزة التي سيحصل عليها المتصل!
والجمهور يتابع تلك المسلسلات والبرامج حتى لو تزامن توقيت عرضها مع وقت الصلاة! محققا لها أعلى نسبة مشاهدة فيصبح مع الوقت هذا النوع من الفن هو أحد معايير النجاح.
والغريب في الأمر أن الجمهور «المتابع لكل شيء!» لا يطالب بوقف مثل هذه الأعمال، بل يطالب بوقف أعمال لا يرغب في منحها فرصة المشاهدة لأن وسائل الجذب المذكورة سابقا تتلاشى فيها وتنعدم في بعض الأحيان، فتتواطأ الشركات التجارية معهم وترفض أن تدعم أي مسلسل ذي قيمة فنية يوحي بأنه أكثر جدية وأعمق فكرة من السائد، وذلك ليس إلا خوفا من الخسارة المادية.
والحقيقة المخيبة للآمال أن الإعلام ممثلا في مثل هذه القنوات لا يهتم كثيرا بطرح رسالة هادفة بقدر ما يهتم بما يحققه من أرباح.
ولأن الأشياء تنمو على ما يغذيها، فالجمهور هو الذي يغذي هذا النوع من الفن، فلولا وجود هذا الجمهور لما بحثت الشركات عن القنوات، ولما عرضت هذه القنوات هذا الفن الذي يضاف إلى التاريخ.
بقلم: سعود البشر
وفي المقترحات أيضًا..
- نقرأ: حتى الحلم لم يعد ممكنا!
- ثم: الرأي.. حرية أم فوضى؟
- يليه: الظرف المحتوم!