لم تتردد قطر عقب إعلان فوزها بتنظيم فعاليات كأس العالم 2022، في التأكيد على أن الاحتفال عربي %100، في وقت باتت الشركات العالمية تعد العدة لدخول حلبة المنافسة على «كعكة 22»، أملا في الحصول على عروض الإنشاءات وغيرها، التي تبدأ وتستمر لعشرة أعوام.
وعلى الصعيد الخليجي، تحلم الشركات مثل غيرها بالمنافسة، لكن على الصعيد المحلي السعودي، بات حظر التصدير للأسمنت على وجه الخصوص، حاجزا يحرم الكثير من الشركات المتخصصة في الوصول إلى المنفذ المجاور في قطر.
ولكن من الناحية المحلية أيضا، يتخوف الكثير من الأهالي أن ينعكس التوجه نحو الإنشاءات المونديالية سلبا على الأسعار في الداخل، لتصبح كعكة المونديال حكرا على الشركات، ووبالا على المواطنين.
فإلى أي مدى يمكن أن يساهم المونديال القطري في رفع حاجز الأسعار في السوق السعودية، خاصة في مواد البناء، وكيف يمكن استغلاله دون تعطيش السوق، أو إضافة المزيد من الأعباء على كاهل المواطن؟
«شمس» طرحت التساؤلات على كاهل المختصين، أملا في الوصول المبكر لنتيجة قبل 11 عاما من ساعة الصفر المونديال.
لا تأثير
المثمن العقاري ونائب رئيس اللجنة العقارية في غرفة جدة عبدالله الأحمري يرى أن البنية التحتية التي سوف تبنيها قطر لاستضافة هذا الحدث الرياضي المهم تحتاج إلى عدد من الشركات العالمية والوطنية: «وبما أن الشركات السعودية هي من الشركات المؤهلة والمصنفة دوليا ومحليا، وعامل الشراكة الاستراتيجية بين دول الخليج، وتدوير الأموال فيما بينهم، وعدم إخراج سيولتهم إلى الدول الأجنبية، ولكون المملكة لها عدد من الشراكات الاستراتيجية مع الشركات الوطنية القطرية، سواء في التطوير العقاري أو في البناء والتشييد أو في المشاريع ولديها الرصيد الكافي والخبرة الهائلة في تلك المشاريع، أعتقد أنه لن يتردد أصحاب الشركات في المساندة حينها».
ولا يتخوف الأحمري، من تأثير التعاون سلبا في السوق المحلية: «لدينا مصانع عملاقة تنتج، ولن يكون تصدير لخارج المملكة إلا بعد الاكتفاء الذاتي من الأسمنت ومواد البناء، فالخليج أصبح سوقا مفتوحة، فكثير من الواردات تضخ في أي دولة من دول الخليج، فتوحد الجمارك فيها وتوحد الإجراءات فيها لن يكون له أي تأثير في السوق السعودية في هذا المجال، فالتنافس سوف يكون كبيرا جدا بين الشركات الكبيرة التي لها بصمتها في الدولة، ولها باع كبير في المقاولات ومضى عليها عشرات السنين، وهي من الشركات المنفذة لمشاريع الدولة ولها بصماتها في الدول المجاورة أيضا».
وينفي إمكانية ارتفاع الأسعار، في حال اللجوء للمشاريع القطرية: «لا يخلو أي مشاريع أو أي شراكة من الإيجابيات والسلبيات، لكن لن يكون هناك ارتفاع في الأسعار، لاسيما أننا نملك أراضي شاسعة في السعودية ولدينا شركات كثيرة تغطي حاجاتنا، وبالنسبة إلى دولة قطر سوف تضع منافسة لكل المصنفين في الخليج، ومن لهم علاقات في قطر من الدول الأخرى، وبالتالي لن يكون لها تأثير في دول مجلس دول الخليج فيما يمس حاجات مواطنيها، لأن المصاريف على البنية التحتية سوف تنشأ في قطر».
ويعتقد مستشار وكاتب اقتصادي عضو جمعية الاقتصاد السعودي طلعت زكي حافظ، أن «كعكة المونديال العالمي» لن تلتهمها قطر بمفردها: «مثل هذا الحدث سوف يكون له انعكاس اقتصادي كبير ليس على دولة قطر فحسب، إنما على جميع دول المنطقة وبالتحديد دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة للشركات العاملة في مجال المقاولات والتشييد والبناء، ونخص هنا وبالتحديد المملكة نظرا إلى ما تتمتع به من احتضان عدد كبير من الشركات في هذا المجال، والمشهود لها بالخبرة الطويلة، ومن هذا المنطلق يتوقع أن تفوز شركات على مستوى الخليج من بينها شركات سعودية للمساهمة في بناء وتشييد المباني والتجهيزات المختلفة لهذا المونديال، لاسيما أن المونديال عالمي يتطلب الكثير من الجهد والإنفاق، وتعدد المباني والملاعب الخاصة أو الإسكان والخدمات المساندة، لهذا الأمر وسوف يعم النفع على جميع دول مجلس التعاون في أكثر من مجال ذات العلاقة الخدمية كالسفر والطيران والفنادق وخلافه، وسوف يكون للشركات العاملة في السعودية حظ وافر في هذا الأمر لاسيما أن قمة أبو ظبي الأخيرة رقم 31 أقرت السماح للشركات الخليجية فتح فروع لها في ست دول على أن تعامل المعاملة الوطنية في كل دولة، وهذا بالتأكيد يدعم ويساند الاستفادة الاقتصادية العامة والشاملة لجميع الشركات العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي».
ولا يرى حافظ مبررا للتخوف في حال التعاون مع قطر بما يسمى «تعطش السوق السعودية»، وما يمكن أن يتجاوز إلى ارتفاع الأسعار: «عندما نقول المواطن سوف يتضرر من ارتفاع ونحوه، نعرف أولا أن أصحاب الشركات من المواطنين، ونحن نتحدث عن سوق كبيرة في السعودية، وتستوعب بدرجة كبيرة للتعامل مع مثل تلك المشاريع الرياضية، وبالتالي لا أعتقد أن تنعكس سلبا على الشركات السعودية سواء من ناحية العمالة أو الخبرات أو تقديم المواد، وبكل تأكيد لو حصل نوع من الاستغلال – ولا نعتقد أن يحصل ذلك – فلن تقف الجهات المعنية في السعودية مكبلة الأيادي أمام ارتفاع الأسعار، بل يجب أن تجد من يضبطها».
طول المدة
ويتناول كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي وعضو مجلس الشورى سعيد الشيخ المشاريع المونديالية بمنظور زمني: «المدة ليست قليلة، وليس بالضرورة مسألة انصراف المقاولين للمشاريع في قطر، وليس بالضروري أن ينعكس ذلك على الالتزام بالتنفيذ بالنسبة إلى المشاريع المحلية، ولكن في حالة حصول تأثير في الأسعار والإنتاج، نعتقد أن الشركات سوف يتوسع إنتاجها لمواكبة الطلب، خاصة أننا نعايش ارتفاع الأسعار وربما أن النقص المحلي يعوض بالاستيراد حينها، وعلينا ألا نغفل طول المدة المرتقبة، على أساس دراسة كافة النواحي وعدم الاستعجال في عملية التوسع غير المدروس لوضع خطط جيدة لتقدير الحاجات المطلوبة، وتكون دراسة متأنية ومتعمقة لمواكبة حدث بهذا الحجم من حاجات قد تتناول ليس فقط التجهيزات الرياضية، إنما قدرة استيعاب المطارات والبنية التحتية والطاقة الاستيعابية للفندقة، وما إذا كانت تفي باستيعابها الأعداد الكبيرة القادمة من الدول الأخرى».
منافسة عالمية
ودعا إلى عدم إغفال متطلبات قيام مونديال عالمي وبناء ملاعب رياضية وتجهيزات بحجم كبير، بما يتناسب مع الحدث، وسوف يكون تزاحما كبيرا من جهات دولية وجهات إقليمية على هذه المشاريع: «في تصوري أن دولة قطر سوف تسعى لاختيار الأكبر والأفضل، لأنها لا تريد أن تغامر بهذه التجربة، ولا شك أن السوق السعودية مؤهل بكبار المقاولين المؤهلين بمثل هذه المهمات، فهناك فرصة جيدة للمقاولين في السعودية، ولا ينحصر الأمر على المقاولين، وإنما يمتد فائدة المشاريع إلى القطاعات الأخرى لمواد الإنشاء من أسمنت وحديد ومواد إنشائية، وبالتالي مواد البناء والأسمنت والحديد سوف يرتفع الطلب عليها للوفاء بحجم هذه المشاريع، إضافة إلى ما هناك من مشاريع حالية سواء في السعودية أو في الدول العربية».
وأشار إلى أن توسع المصانع، لا يتحقق إلا وفق متطلبات مدروسة: «ففي بعض القطاعات يتخوف المصنعون من التوسع للوفاء بطلب حالي أو مستقبلي في المدى القريب، ثم يتراجع الطلب في المدى المتوسط والبعيد، فيصبح هناك تكاليف ناتجة عن التوسع، إن لم يكن الطلب مواكبا للطاقة الاستيعابية المستمرة في الزيادة، فالمشاريع من هذه النوع تعطيهم طمأنينة أكثر في الوقت الذي يكون هناك مشاريع قائمة في السعودية، تستكمل خلال الأربعة والخمسة أعوام، وحينها يأتي هذا الطب الجديد من دولة قطر ويعزز استمرار الطلب لأعوام ما بعد استكمال المشاريع التي أقيمت في المملكة، والفائدة سوف تتمدد فيما يتعلق بالمكاتب الهندسية والاستشارية فلا شك أن السعودية تتمتع بوجود إمكانيات، وتستطيع التنافس مع الشركات الأجنبية القادمة للحصول على حصة جيدة من هذه المشاريع، وأيضا بحكم القرب لنقل المواد ووجود المقاولين في المنطقة ومعرفة المقاولين بالبيئة المحلية قد يعطي للسعودية فرصة أكبر من الشركات الأخرى الأجنبية».
تفعيل الطلب
ويرى المحلل المالي وعضو لجنة الأوراق المالية بالغرفة التجارية في جدة تركي فدعق أن فوز قطر باستضافة كأس العالم سوف يؤدي إلى تفعيل عوامل الطلب الخليجي على كل ما هو له علاقة بالإنشاءات: «ومن المفترض أن تكون السوق الخليجية مشتركة، لأجل ذلك أتوقع أن يتم تعامل الشركات الخليجية تعاملا وطنيا، فمن المهم من الجهات التنظيمات في المملكة أن تسارع بتذليل العقبات التنظيمية والقانونية، ومعظم الشركات الخليجية والقريبة من قطر فيما يخص مواد البناء سوف تستفيد، ولكن يرجع ذلك إلى حسب الميزات النسبية لكل شركة، أما عن ارتفاع الأسعار لا أتوقع ذلك، خاصة الأسمنت لوجود تكدس من المخزون في شركات الأسمنت والجانب الآخر العديد من شركات الأسمنت لديها خطط تطوير إنتاجي وبعض المصانع أيضا قيد الإنشاء، وسوف تدخل إلى السوق السعودية سعات إنتاجية جديدة».
انتعاش السوق
وتوقع سافر العوفي مدير مؤسسة لتجارة الأسمنت انتعاش السوق خصوصا أن المملكة تشهد مشاريع كبيرة تستهلك كميات من الأسمنت، إضافة إلى المشاريع التي ستنفذها دولة قطر للمونديال: «فالأسعار حتى الآن مستقرة منذ العام الماضي، خاصة أن سعر كيس الأسمنت يتراوح بين 13 و13.5 ريال، ولم يشبه أي ارتفاع، وهي أسعار جيدة جدا بعد إيقاف التصدير خلال السنتين الماضيتين، ولم يسمح للتصدير إلا لمصنع الشمالية في طريف بحدود ألفي طن لكل من العراق وقطر، ونتمنى ألا يكون هناك شح في السوق، عند فتح باب التصدير وبكميات عالية خوفا من تكرار أزمة جديدة في الأسمنت، ولكن ما يطمئننا خلال الأيام المقبلة أن المصانع تعمل على توسعة الإنتاج خلال العام المقبل، وهناك أيضًا مصنع صفوة.
معايير الاختيار
وحذر الرئيس التنفيذي لشركة للتطوير العقاري المهندس خالد أسعد جمجوم، من المغامرة في دخول الأسواق الجديدة، دون وضع خطط شاملة: «الفترة ليست بالقريبة، وكشركة سنعمل في مجال التطوير العقاري بكل هدوء، فأحيانا الحدث وقعه أكبر من حقيقته، وأتمنى أن تكون هناك آليات ومعايير للشركات مقابل مشاركتها في قطر، خاصة أن هناك شركات عالمية سوف تشارك على مستوى منافسة عالمية ولابد حينها توفير عمالة من الخارج مقابل ما نعانيه من شح داخل السعودية».
ويتفاءل عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات قابضة المهندس سليم بن هندي الحربي، بفتح المجال أمام الشركات السعودية بشكل واسع بحكم الموقع الجغرافي وبحكم الأنظمة الميسرة بين دول الخليج العربي، لاسيما أن المشاريع الحكومية بدول الخليج تعطى الأولوية للمنتجات الخليجية: «تنافس شركات المقاولات السعودية، سيكون قويا، لكنني أتوقع حدوث اتحادات بين الشركات للقيام بالمشاريع الكبيرة، ولا ننسى أن المنتجات السعودية ذات جودة عالية وتتناسب مع المشاريع المميزة التي تنوي قطر إقامتها استعدادا للمونديال، ومن جانبنا لدينا خبرة في العمل داخل قطر منذ ثلاثة أعوام».
تقرير؛ بقلم: فايز الثمالي