يُقدِّم لكم موقع المزيد، في قِسمه الخاص بالخُطَب، خطبة الجمعة القادمة مكتوبة وجاهزة ومُنسَّقة؛ بعنوان: الأسرة سكن ومودة. والتي نوفِّرها لكم كاملة، مشكولة، ومُعزَّزة بما يلزم من آيات قرآنيَّة من كتاب الله -تعالى-؛ وأحاديث من سُنَّة نبينا المصطفى عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام، فضلا عن القصص التي توثِّق وتُعزِّز موضوعنا أكثر.
مقدمة الخطبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه؛ بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة؛ فصلوات الله وسلامه عدد ما صلى عليه المصلون وذكره الذاكرون.
أما بعد، فيا عباد الله؛ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
الخطبة الأولى
عباد الله، إن من نِعَم الله على العبد أن يمُن عليه بأسره مترابطة متلاحمة، يسود بينهم المحبة والرحمة. والله -جل وعلا- رؤوف بعباده، يسَّر لهم السبل والطرق التي توصلهم إلى ساحل الأمن والأمان في الدنيا والآخرة.
ولقد عُنيَ الإسلام يا أمة الإسلام في الأسرة وتكوينها. قال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}. وتتكون الأسرة من الوالد والوالدة والأبناء. ويبدأ تكوين الأسرة من قبل الزواج بالعناية باختيار الزوجة والزوج.
قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصحيحين «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». ولا يُلام الإنسان أن يبحث عن كل الصفات، ولكن إذا تعارضت فعليه أن يظفر بذات الدين ويتمسك بها.
وقال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». نعم يا أمة الإسلام، يُعنَى الإنسان باختيار الزوجة الصالحة التي تكون عونًا له على تربية أولاده، على تنشِئَة جيلٍ ينفع نفسه وينفع بلده وينفع أمته.
وكذلك المرأة تُعنَى باختيار الزوج، حتى تقوم الأسرة على المحبة والمودة والتفاهم.
أمة الإسلام؛ إن الأسرة سكن ومودة؛ فإذا حصل انحرافٌ عن الطريق المستقيم في أحد أركان البيت وعناصره، شقي البيت؛ سواء هذا الانحراف في الأخلاق والسلوك أو في الفكر والمنهج والسير.
ما نراه ونشاهده ونسمعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي من العنف الأُسري والاعتداء والإيذاء البدني والنفسي، سبب الانحراف إما في الشهوة أو الشُبهة.
فإذا انحرف الإنسان في شهواته، وتعاطى -على سبيل المثال- المخدرات والمسكرات، فإنه يشكل خطرًا على نفسه، ويشكل خطرًا على زوجته، ويشكل خطرًا على أبنائه، ويشكل خطرًا على مجتمعه.
ما نسمعه ونراه من القتل والإيذاء والضرب بسبب هذا الخنا من المخدرات. يقتل ولده أو زوجته أو يقتل والده؛ وإذا بحثت عن السر، وإذا به الانحراف عن الطريق الذي رسمه الله ورسمه رسوله -صلى الله عليه وسلم-. أفسد عقله بتعاطي هذه الشرور وهذه المحرمات فارتكب الآثام وأساء إلى نفسه نفسه وأثَّر على بيته وعلى مجتمعه.
وكذلك إذا انحرف في فكره ومنهجه، وكفَّر وضلل الناس، فإنه يعتدي عليهم. فما نراه ونسمعه من التفجير والاعتداء على القريب والبعيد بسبب هذا الانحراف في الفكر.
فعلينا جميعا أيها الإخوة الفضلاء أن نُعنى بالأسرة وأن نهتم اهتمامًا بالِغا في تكوينها، لأن الأسرة يا أمه الإسلام هي المجتمع الصغير، فإذا صلحت صلح المجتمع.
والأسرة كالقلب في الجسد، فإذا صلح القلب صلح الجسد. وكذلك الأسرة، صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت الأسرة، بلا شك ولا ريب، أن المجتمع سيتأثر بهذا الانحراف وهذا الزيغ والضلال، ويحصل ما لا تُحمَد عقباه.
ومما يساعدنا على ذلك يا عباد الله، أن نتعامل بالرحمة والمودة التي ذكرها الله جل وعلا في كتابه، وبغض الطرف والتغافل.
قال رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر».
يقول الإمام أحمد -رحمه الله-: تسعة أعشار العقل في التغافل.
لأن الإنسان إذا دقق في أموره كلها شقي وأشقى غيره، أتعب نفسه وزوجته وأولاده. ولكن على الإنسان العاقل الحصيف أن يتغاضى وأن يتجاوز عن الزلات؛ وبذلك تدوم العشرة وتبني البيوت، ويتأسى المسلم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولا يخلو بيت يا عباد الله من الخلاف والشِّقاق، ولكن يختلف التعامل مع هذه المشكلة وهذا الخطأ والزلل؛ لأن الإنسان من رجلٍ وامرأة وولد، يريد أن يأوي إلى بيتٍ يسكن فيه، يطمئن قلبه وينشرح خاطره. لأن البيت إذا وُجِد فيه الشقاق والخلاف فإن الإنسان سينفر منه ويخرج ويجد من يتصيده ويوقعه بالهفوات والزلات الكبيرة.
فعلى الأب أن يحتضن أولاده وأن يتأسَّى برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
تأملوا معي يا مسلمون؛ كان رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- يخطب على المنبر، إذ رأى الحسن والحسين مقبلين، فنزل إليهما فاحتضنهما وأخذهما معه إلى المنبر وقال: صدق الله {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}، إني رأيت هذين يمشيان ويعثران، فلم أملك أن نزلت إليهما، ثم قال: إنكم لمن روح الله، وإنكم لتبجلون وتحببون.
هذه كانت أحد صور رحمته وشفقته -صلى الله عليه وسلم- على الأولاد.
وقبَّل ذات يوم الحَسَن؛ فكان عنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنه من لا يرحم لا يرحم!».
الأبناء بحاجة ماسة إلى الحنان والرحمة والشفقة، حتى لا يخرجوا إلى الشوارع ويجدون من يُسَيّرهُم على ما يريد.
فعليك أيها الأب أن تحتضِن أولادك، وأن تتعامل معهم بالرحمة والشفقة والحوار، واحذر أن تتشاغل عن أبنائك بتجارتك وبسفرك وبجلسائك؛ فقد قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم- «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة».
وقال -صلى الله عليه وسلم- «كلكم راع ومسؤول عن رعيته». وقال صلوات الله وسلامه عليه «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه».
فأنت أيها الأب، أيها المربى الفاضل، عليك أن تنمي هذه الفطرة، وتغرس في قلوب الأبناء محبة الله؛ تغرس في قلوب الأبناء تعظيم الله جل في علاه، مراقبة الله في السر والعلن، وتُعَلِّق قلوبهم في بيوت الله، وتُعَلِّم أولادك كتاب الله؛ لأن الوالد لا يمكِن أن يستقر ويطمئن في هذه الحياة إلا إذا رأى أبناؤه يسيرون على الطريق السوى، على الطريق المستقيم.
قال الله -جل وعلا- {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}. فلا تقر عين الوالد ولا الوالدة حتى يروا أن الابن يسير على الطريق الصحيح الذي يوصله إلى رضاء المولى جل وعلا، الذي يوصله إلى سعادة الدنيا، الذي يوصله إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
وعليكم بالدعاء لأولادهم؛ فنبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول «ثلاث دعوات لا ترد.. -منها- دعوة الوالد لولده». وهو أعظم سبيل لصلاح الأولاد وهدايتهم.
عليك أن تلجأ إلى الله -جل وعلا- وتسال الله -سبحانه وتعالى- أن يمُنّ عليك بأولاد صالحين وأن يحفظ أولادك وأولاد المسلمين من الزيغ والضلال والانحراف في الشبهات والشهوات.
اللهم احفظ، يا حي يا قيوم، أبنائنا وبناتنا من كل سوءٍ ومكروه.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا يليق بجلال الله وعظمته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فيا عباد الله؛ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
واعلموا، يرعاكم الله، أن من أعظم الأسباب للتماسك الأسري أن يُعنى الأبناء ببر الآباء.
بر الآباء سببٌ لسعادة الآباء والأمهات والأولاد، فهو طريقٌ سريع للسعادة في الدارين. فرضى الله برضى الوالدين.
ولعظيم حق الوالدين، قرن الله -جل وعلا- حقهما بحقه، فقال -تبارك وتعالى- {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، وقال -عز من قائل- {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
وتأملوا معي يا عباد الله قول الحبيب -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود، قلت يا رسول الله، سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال «الصلاة على وقتها». قال: ثم أي؟ قال «ثم بر الوالدين». قال: ثم أي؟ قال «الجهاد في سبيل الله».
فقدَّم حق الوالدين على الجهاد في سبيل الله.
فبعض الأبناء -هداه الله وشرح صدره ونور قلبه- يقع بالعقوق في القول والفعل، وينشغل عن أبويه في دنياه، وجلسائه وزملائه، ويقضي وقته مع زملائه أكثر من والديه، ويرفع الصوت على الآباء والأمهات، وربما يكون مصدر من مصادر الإزعاج لهما والشقاء.
يتأخر في الليل، يذهب هنا وهناك وهم ينتظرون، يخشون عليه من الانحراف والزيغ والضلال، ولا يهنأ الوالد ولا الوالدة حتى يروا الأبناء داخل المنزل.
والعقوق هو كل إساءة بالقول أو الفعل للوالدين. كما أن البر هو الإحسان إليهما وإدخال السرور عليهما بالقول والفعل.
فمن أسباب التماسك الأسري والترابط والسعادة الأسرية للبيوت أن نُعنى ببر الوالدين، فهو طريقٌ للسعادة في الدنيا والآخرة.
فعلى الإنسان أن يتقي الله، وأن يشكر الله على نعمة الوالدين. فوجود الوالدين -والذي رفع السماء بغير عمد- إنها من أجَلّ نعم الله، ولا يعرف قدر هذه النعمة إلا من فقد والديه، أو فقد أحد والديه.
وأقول لمن فقد والديه، هم بحاجة ماسة لك في دعائك. فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. -وذكر منهم- وولد صالح يدعو له».
وهم تحت الثرى انقطعت أعمالهم، فعلك أن تدعو لهما، وأن تتصدق عنهما، فهم بحاجةٍ ماسةٍ إلى ذلك. واعلم أن هذا سببٌ لتوفيقك وسعادتك وسببٌ لدخولك الجنة.
الدعاء
اللهم أعِنا على بر الوالدين، الآباء والأمهات، من كان منهم يا ربي على قيد الحياة، اللهم أطل عمره على طاعتك، ومن كان منهم تحت الثرى فاللهم أنزل على قبره الضياء والنور والفسحة والسرور واجزه عنا أحسن الجزاء وأكمَل الجزاء وأتم الجزاء.
اللهم أعِز الإسلام والمسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، وعبادك المؤمنين.
اللهم اهدِ شباب المسلمين وفتيات المسلمين، اللهم نوّر بصائرهم، اللهم احفظهم من الانحراف في الشهوات والشبهات يا رب العالمين؛ اللهم أقر أعين آبائهم بصلاحهم، اللهم اجعلهم هُداة مهتدين، اللهم اجعلهم بهذا الدين من المتمسكين وإليه من الداعين.
اللهم نور قلوب شبابنا بنور الإيمان والقرآن والسنة يا رب العالمين.
اللهم احفظهم من فتن الشبهات والشهوات يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم، فرج هم المهمومين؛ اللهم فرج هم المهمومين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وأصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واجمع قلوبهم على الكتاب والسنة.
اللهم احفظ علينا عقيدتنا وأمننا واستقرارنا يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، وسدد أقوالهم وأعمالهم، احفظ يا رب جنودنا المرابطين على الحدود؛ اللهم اجزهم عنا أحسن الجزاء وأكمل الجزاء وأتم الجزاء.
اللهم تقبل موتاهم في الشهداء، وعافِ جرحاهم يا رب العالمين وأعدهم سالمين غانمين منتصرين يا رب العالمين.
اللهم صل وسلم وتفضل وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
خطبة الأسرة سكن ومودة..
ألقاها فضيلة الشيخ د. عبد العزيز الفايز. فجزاه الله عنَّا خير الجزاء.
سلَّطت الخطبة مزيد ضوءٍ على قضية الترابط الأسري وكيفية العمل على حل المشكلات الأُسرية، سواء الزوجية بين الأزواج بعضهم البعض، أو ما بين الآباء وأبنائهم. وغيرها من الدروس والعِبر والعظات الكثيرة التي تناولتها الخطبة.
إذا أردتُم هذه الخطبة «الأسرة سكن ومودة» في ملف بصيغة PDF فعليكم بطلبها أدناه في التعليقات، وسنعمل على توفير رابط التحميل من أجلِكُم.
pdf
الأسرة سكن ومودة