ما طبيعة الأدوية التي تصرف بدون وصفة طبية؟
قالت الطبيبة الصيدلانية “مي الأمير” دائماً ما يطرق الناس باب الصيدلاني للحصول على الدواء المناسب تبعاً لتخصصه ومجال دراسته، وتبعاً لإحتكاكه ووجوده وسط شرائح المجتمع المختلفة، وتوجد مجموعة من الأدوية تُعرف علمياً باسم أدوية Over the counter ويُرمز لها اختصاراً بالأحرف الأولى OTC، وهذه الأدوية المُدرجة تحت تصنيف الـ OTC يستطيع الصيدلي إعطاءها للمريض بدون وجود وصفة طبية من طبيب متخصص، أي يمكن تعريفها بأنها الأدوية التي تصرف من قِبل الصيدلاني دون حاجة ملزمة لوصفة طبية ودون أن يقع عليه مسائلة قانونية.
وتختلف أدوية الـ OTC من بلد إلى آخر، حيث تقرر الجهة الرسمية المختصة في الدولة الأصناف المدرجة تحت هذا الوصف، ويمكننا القول أن أدوية الـ OTC في كل البلدان لن تخرج عن أصناف الأدوية التي تساعد في تسكين وتخفيف الأعراض، ومنها أدوية المسكنات، ومضادات الحساسية، وبعض أدوية السعال، وبعض أدوية الإمساك (المُلينات)، وخافضات الحرارة، ومضادات الحموضة.
وتابعت “د. مي” وكما هو مُلاحظ من طبيعة الأدوية المذكورة يتضح أنها أدوية لا تتدخل في علاج أساس الأمراض، ولكنها تعالج الأعراض الناتجة عن الأمراض فقط، وهي الفكرة العامة من تخصيص أدوية الـ OTC، حيث يحق للصيدلي مساعدة المريض في تخفيف حدة هذه الأعراض حتى يتثنى له – أي المريض – الذهاب إلى الطبيب وتشخيص المرض المتسبب في هذه الأعراض ومن ثَم يصف له الطبيب الدواء المعالج لهذا المرض.
وبناءً على ما سبق يُصحح المفهوم الشائع بين الناس بأن أدوية المهدئات والمخدرات فقط هي الممنوع إعطائها للمريض بدون وصفة طبية، فهذا غير صحيح بل إن 90% من الأدوية ممنوع صرفها بدون وصفة طبية، والنسبة القليلة هي المسموح بها، حيث يدخل في إطار المنع على الصيدلي كل أدوية القلب والكوليسترول…. إلخ، حتى إن بعض أدوية السعال لا ينبغي صرفها بدون وصفة طبية لأنها تحتوي على مهدئات من أنواع الكودايين وديكستروثروفان مما يجعلها تندرج تحت بند الممنوعات أو المخدرات إذا ما تم تناولها كلمة مرة واحدة.
هل توجد من بين أدوية الـ OTC ما يتسبب في آثار جانبية صحية؟
القاعدة الذهبية في العلوم الطبية هي أن جميع الأدوية – سواءً بوصفة أو بدون – ليست آمنة لكل الأشخاص وليست آمنة لكل الوقت، فحتى الأدوية التي يصفها الطبيب إذا لم يُلتزم بالجرعة المحددة والفترة الزمنية المحددة للإستخدام ستتحول إلى مصدر للآثار الجانبية المرضية، وبذلك تُطبق نفس القاعدة الطبية على أدوية الـ OTC.
ومن هنا نجد أن الصيدلي قد يُحجم عن وصف الدواء حتى وإن كان مسموح له بوصفه، مثل عند طلب دواء للأطفال الأقل من عمر العام حيث يشدد الصيدلي على ضرورة الذهاب للطبيب أولاً ويمتنع عن وصف الأدوية لهذا الرضيع، ومن ناحية أخرى يطلب الصيدلي مجموعة من المعلومات قبل إعطاء الدواء للمريض، ومن بين أهم المعلومات للتعرف على الحالة قبل وصف الدواء العمر، الجنس، وإذا ما كان الدواء لأنثى فهل هي حامل أو مرضع أم لا، وهل توجد إصابة بأي مرض مزمن آخر، وهل يتم تناول أصناف دوائية أخرى أم لا حتى لا يحدث التعارض…. إلخ.
وأضافت “د. مي” كما أن أدوية الـ OTC المسموح بصرفها بدون وصفة طبية عادةً ما يفضل الصيدلي إعطاء المريض الأنواع ذات التركيزات الأقل منها، فإذا ما وصف الصيدلي الفولتارين كمسكن للمريض فلن يعطيه الأنواع ذات التراكيز 75 أو 100 ولكن سيعطي المريض التراكيز الأقل، لأن دورها تخفيف الألم لفترة ما لحين الذهاب للطبيب، وهذا الأمر ينطبق على جميع أنواع وأشكال الأدوية.
فكل هذه الإحترازات من قِبل الصيدلي ناتجة عن ما ذكرناه من قاعدة طبية بأن الدواء على العموم غير آمن لكل الناس بشكل مطلق.
هل بمقدور الطبيب الصيدلي وصف الأدوية المعالجة لمرض ما؟
أشارت “د. مي” إلى أن بعض الحالات المرضية تتحاكى بأنها لم تُشفى وترتاح من مرض ما إلا من خلال أدوية حصلت عليها من صيدلي كفؤ، وقد تكون هذه القصص واقعية ونُسلم بها، لكن بالرغم من ذلك لا يحق للصيدلي التدخل في وصف أدوية علاجية لأي مرض، فهو منوط به وصف الأدوية التي تخفف من الأعراض فقط كما تقر قوانين المهنة، فليس معنى أن حالف أحد الصيادلة الحظ مع حالة مرضية أن يصير الأمر عام، وليس معناه أيضاً أن من حالفه الحظ من الصيادلة لمرة أو لمرات أن يستقيم وصفه إلى ما لا نهاية، ولذلك لا ينبغي على الصيادلة المخاطرة أو المجازفة، فمهمة تشخيص المرض من اختصاص الطبيب وليس الصيدلاني في كل الأحوال حتى وإن عرف الصيدلي التشخيص وأدوية العلاج، فهنا يمكن له إستغلال هذه المعرفة بتوجيه المريض إلى الطبيب صاحب التخصص المناسب.
وتتمثل أهمية الإلتزام هنا في أن المرضى عادةً ما يطلبون من الصيدلي الأدوية التي تساعد في علاج ما يشعرون به، في حين أن هذا الذي يؤلمهم قد يكون واحد من أعراض مرض خطير أو حاد ينبغي علاجه وعلاج سببه من الأساس، فإذا فرضنا أن مريضاً يشتكي التشنج العضلي فهنا يسهل على الصيدلي وصف مرخيات العضلات المسموح بها ضمن أدوية الـ OTC، لكن عملياً لا يصاب الفرد بالتشنج العضلي منفرداً، بل يكون واحد من مجموعة أعراض منها التنميل بالأطراف وآلام الظهر وصعوبة الحركة، وكل هذه الأعراض تستلزم زيارة الطبيب للوقوف على السبب المباشر لها – والذي قد يكون من الخطورة بمكان – لعلاجه من جذوره، وهنا تلعب معرفة الصيدلي وعلمه الدور في سؤال المريض عن بقية الأعراض ومن ثَم توجيهه للطبيب الكفؤ المتخصص لوصف الأدوية التي لا تعالج تشنج العضلات فقط ولكن تعالج كل المرض من أوله لآخره، وقِس على ذلك أمثلة عديدة لأمراض أخرى، بل إن بعض الأمراض لن يتمكن الطبيب المختص تشخيصها إلا من خلال تحاليل وفحوصات متخصصة، فكيف بالصيدلي الذي لا يملك الأدوات لذلك؟!
وأكدت “د. مي” على أن الخلاصة هي أن القوانين المنظمة للمهنة معروفة ومطبقة ومحددة وموزعة للمسئوليات، وليس معنى وجود قصص نجاح لصيادلة في علاج الأمراض الإقرار بالأمر، لأنه على الجانب الآخر توجد قصص أخرى لصيادلة أخطئوا وتسرعوا في وصف أدوية غير مصرح لهم بوصفها مما أدى إلى نتائج عكسية لم تُحمد عقباها.
والجدير بالذكر أنه يدخل في هذا النطاق الممارسة الخاطئة للأمهات بتكرار أنواع من الأدوية دون إعادة المتابعة عند الطبيب بحجة أن ما الأعراض المرضية الحالية عند الطفل تشبه ما أُصيب به في السابق، فكثير من البكتيريا والفيروسات التي تسبب المرض تتطور وتنتج أجيالاً جديدة، وكذلك الحال مع الأدوية، من هنا ليس من الضروري أن تنجح الأدوية السابقة الإستخدام في علاج المرض الفلاني المصاب به الطفل للمرة الثانية مثلما نجحت مع المرة الأولى، ولذلك لا مجال للمغامرة مع صحة الأطفال بالتحديد، والأصح هو إعادة إستشارة الطبيب ليقر هو بعلمه وتشخيصه إعادة تكرار الدواء أو وصف أصناف جديدة، لكن تكرار الأدوية لا يصح إلا مع الأمراض المزمنة الطويلة الأمد، فمريض السكري أو مريض الضغط ليس مطلوباً منه تكرار زيارة الطبيب كلما تنفذ منه أقراص الدواء.
فقد أصبح معروفاً له ولمحيطه طبيعة مرضه ومقدار ما يحتاج من جرعات، لذلك لا يُطلب منهم سوى الإلتزام بالمتابعة الدورية عند الطبيب كل ستة شهور للتأكد من إستقرار الحالة المرضية مع هذه الأصناف الدوائية، لكن الأمراض الحادة والعادية كالإلتهابات وخلافه فتحتاج إلى زيارة الطبيب مع كل مرة تحدث فيها الإصابة.
هل يمكن تصنيف الأمراض إلى ما يتطلب وما لا يتطلب إستشارة طبية؟
نبّهت “د. مي” على أن جميع الأمراض تحتاج إلى زيارة الطبيب المتخصص، لكن الأعراض البسيطة التي تنتج عن زيادة مجهود في العمل أو تناول طعام بكميات كبيرة أو الشعور بالصداع فهذه لا تحتاج إلى إستشارة طبية ابتداءً، حيث يمكن معها اللجوء للصيدلي، ولكن إذا لم تتحسن الحالة الصحية بعد يوم أو اثنين على الأكثر لابد من التوجه للطبيب، فكما سبق وأن أشرنا أن الصيدلي منوط به تخفيف الأعراض، فإذا استمرت الأعراض على شدتها ولم تختفي فهنا توجد ضرورة للطبيب المتخصص حفاظاً على الصحة العامة.
والخلاصة أنه لا يمكن ولا يستقيم بأي حال من الأحوال تقسيم الأمراض إلى ما يحتاج لطبيب وما لا يحتاج، فمن نعم الله علينا أن جعل الألم والأعراض دليل على وجود خلل ما بالجسم، ومعنى أن الأعراض استمرت ولم تنتهي مع دواء الصيدلي هو وجود خلل ما بالجسم يحتاج إلى تعديل وعلاج.
ما أكثر ما يخشاه الصيدلي وصف الأدوية لكبار السن أم للأطفال؟
الصيدلي يخشى وصف الأدوية البعيدة عن الـ OTC بشكل عام، وتزيد الخشية ويتمسك الصيدلي الأمين بالإمتناع عن الوصف لأدوية الـ OTC مع الحالات الخاصة مثل الأطفال الأقل من عمر السنة والحوامل والمرضعات والطاعنين في السن وأصحاب الأمراض المزمنة مهما كانت فئتهم العمرية.
واختتمت “د. مي” حديثها بالتأكيد على أنه حتى مع وجود وصفة طبية يبذل الصيدلي الأمين مجهود في توعية المريض بأهمية كل نوع، وأثره الجانبي، ومدى تعارض كل صنف مع الآخر إن وجد تعارض، وأنسب الأوقات لتناول كل صنف… إلخ، فهذا هو الدور الحقيقي للصيدلي وهو عين دراسته وأبحاثه، فالصيدلي ليس بائع في متجر بل هو شخص دارس ومتخصص في مجال الأدوية وتركيباتها.