عناصر الخطبة
- أيام رمضان تنقضي، فما أهم من استغلال الأوقات المتبقية!
- العشر الأواخر من رمضان: أهمية العبادات والدعاء فيها
- زكاة الفطر: واجب المسلمين وأهميته في تكافل المجتمع
- التضامن مع إخواننا في غزة: الدعاء والتبرع للمحتاجين
- العون يكون بالمال والدعاء: فضل الدعاء والمساعدة في الظروف الصعبة
- الاستعداد للعودة إلى الحياة الطبيعية بعد شهر الصيام
مقدمة الخطبة
الحمد لله الذي حض على حسن الختام، وحث على أن تكون عاقبة كل أمر الإحسان، سبحانه الذي ألهمنا شكر الصيام، وجعله سبيل التقوى وطريق الجنان.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، خير من صام، وخير من سار على هدي ربه واستقام، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
الخطبة الأولى
أما بعد، فاتقوا الله حق التقوى، تبلغوا السعادة في الدنيا والأخرى، واعلموا -يا عباد الله- أن أيام رمضان توشك أن تنقضي، ولياليه تدنو أن تنتهي، والعاقل فينا من كان لها مستغلا وعامرا، أما نهاره فصوم ومعاش ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾، وأما ليله فتهجد واستغفار ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾، فهو هدي المؤمنين، وشعار المتقين ﴿كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.
وقد كنا قبل أيام نرقب قدومه، وننتظر إهلاله، وها قد بقي منه أيام قلائل توشك أن تنقضي، وعادة المؤمن -أيها الصائمون القائمون- أن يكون ختامه للأعمال مسكا، وإنهاؤه لما يقوم به حسنا؛ فهو يسأل ربه أن يجعل خير عمره آخره، وخير عمله خواتمه، وخير أيامه يوم يلقى ربه فيه.
والمؤمن العاقل عليه أن يسأل ربه قبول صيامه، فإنه بين خوف أن لا يقبل الله عمله، ورجاء أن يقبله ويثيبه عليه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾، فنسأل الله -بمنه وفضله وكرمه- أن يتقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا وكل أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عباد الله: لقد أريتم الله من أنفسكم خيرا في كل رمضان، فالله الله في أعمالكم في آخر رمضان، وما بعد رمضان، واصلوا جهدكم الذي بذلتم، وسعيكم الجميل الذي سعيتم، لقد صليتم الصلوات في أوقاتها، مستشعرين قول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾، فواصلوا أداء الصلاة في وقتها، وقد صليتموها في جماعة، ممتثلين قول خالقنا: ﴿وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، فاستمروا على ما أنتم عليه، ولم تشغلوا أوقاتكم بالقيل والقال، والكذب والغيبة والنميمة، بل حفظتم لسانكم، وغضضتم أبصاركم عن المحرمات، فواصلوا مسير الخير.
وقد كنتم -بارك الله فيكم- تتلون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، وتصلون الأرحام، وتحسنون إلى الجار، وتنفقون أموالكم في سبيل الله، وقد حرصتم -كل الحرص- أن تبتعدوا عن كل معصية؛ حفاظا على صومكم، وحرصا منكم على بلوغ مرتبة التقوى عند ربكم، فهاهي الفرصة سانحة، والوقت أمامكم، اعمروه بالطاعة، واشغلوه بالخير «وعن عمره فيما أفناه».
وقد وصفت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عمل النبي أنه ديمة، أي: مستمر دائم، ومعاذ الله أن ﴿تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾، فتهدموا ما بنيتم، وتفسدوا ما أصلحتم؛ فأنتم أهل الفضائل الكريمة، وموطن الشمائل النبيلة.
أيها المسلمون: في العشر الأواخر من هذا الشهر ليلة ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾. فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله يقول: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان».
فاعمروها -أيها الصائمون- بالقيام، واستغلوا ليلها بالذكر والاستغفار؛ فإن «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وليكن من الدعاء الذي يدعى به ما روته عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
ومما لا ينبغي أن يغيب عن بال كل مسلم زكاة الفطر، فقد «فرض رسول الله زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين»، فعلى المسلم أن يحرص على أدائها، يخرج بها الشخص زكاته عن نفسه وعمن يعوله صاعا من الطعام، يدفعها الإنسان إلى لجان الزكاة ليوصلوها إلى فقراء المسلمين المستحقين، وذلك من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى وقت خروج الناس إلى صلاة العيد؛ ليغنيهم بها عن السؤال، فهي مظهر من مظاهر الوحدة بين المسلمين، والتكاتف والتآلف؛ فإن المسلم الحق هو من يسعى في حاجة أخيه، ويقف معه، وليس الذي يعتني بنفسه ناسيا غيره.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم إنه هو البر الكريم.
⇐ هنا أيضًا: خطبة عن العشر الأواخر من رمضان بعنوان «أَقْبَلَتِ العَشْرُ يَا بَاغِيَ الأَجْرِ».. مكتوبة بالتشكيل الكامل
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي وفقنا لصيام نهار رمضان، وقيام ليله ابتغاء الرحمة والجنان، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، أفضل الصائمين، وخير الأنبياء والمرسلين.
أما بعد، فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن هناك إخوانا لكم في غزة يقتلون، ويسومهم العدو ما لا يطيقون، فتذكروا حاجتهم، وتبرعوا بما تجود به أياديكم؛ فإن من خير ما يقربكم إلى الله في هذه الأيام المباركة عون المحتاج، وتنفيس الكرب عن المسلمين، ولا سيما إن كانوا كحال إخوانهم في فلسطين، إذ حاربهم العدو -قاتله الله- بعدته وعتاده، وبذل جهده في إبادتهم حرمانا وتجويعا، فضلا عما يعانونه من البرد الشديد، وعدم توفر ما يقيهم إياه، وليس لهم معين -بعد الله- إلا إخوانهم أمثالكم ممن يشعرون بفقرهم، ويحسون بحاجتهم.
وفي الحديث: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
وليس العون بالمال وحده، فدعاء المؤمن لأخيه في ظهر الغيب من أعظم القربات، وفي الحديث: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة»، فادعوا لهم بالنصر والتمكين، وأن يرد الله كيد عدوهم، ويرزقهم القوة والصبر والفوز، بقدرتك يا ذا الجلال والإكرام.
فاتقوا الله -عباد الله-، واختموا رمضانكم بتوبة صادقة، وقلب منيب، وعمل صالح.
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين؛ محمد الهادي الأمين، فقد أمركم ربكم بذلك حين قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما صليت وسلمت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم، وبارك على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد، كما باركت على نبينا إبراهيم وعلى آل نبينا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات، وعن جمعنا هذا برحمتك يا أرحم الراحمين.